الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التنكيس في قراءة القرآن.. أحوال الجواز والكراهة والتحريم

السؤال

هل يجوز مراجعة القرآن بشكل تصاعدي؟ يعني: أبدأ بالسور الأخيرة, ثم ما يليها, وهكذا.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا ما يسميه العلماء التنكيس في تلاوة السور، ومعناه: أن يقرأ سورة, ثم يقرأ التي قبلها في ترتيب مصحف عثمان -رضي الله عنه- وهو مختلف في حكمه؛ فمن أهل العلم من ذهب إلى كراهته، ومنهم من جوزه في السور، ومنعه في الآيات.

وقال النووي في شرح مسلم نقلًا عن القاضي عياض: [ولا خلاف في أنه يجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في الأولى، وإنما يكره ذلك في ركعةٍ، ولمن يتلو خارج الصلاة، وأباحه آخرون, وحملوا التنكيس المنهي عنه على من قرأ من آخر السورة إلى أولها، ولا خلاف أن ترتيب الآيات توقيفي]. انتهى.

والراجح: جواز ذلك في السور خارج الصلاة، فإن رأيت ذلك أسهل لك في الحفظ والمراجعة, فلا شيء عليك -إن شاء الله-.

وقد روى البخاري عن يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة -أم المؤمنين رضي الله عنها-، إذ جاءها عراقي، فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك، وما يضرك؟ قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك؟ قالت: لم؟ قال: لعلي أوَلِّفُ القرآن عليه، فإنه يُقرأ غيرَ مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل؟ إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد -صلى الله عليه وسلم- وإني لجارية ألعب: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} [القمر: 46], وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف، فأملت عليه آيَ السور.

قال ابن بطال: [وأما ما روي من اختلاف مصحف أُبيٍّ, وعليٍّ, وعبدِ الله, إنما كان قبل العرض الأخير، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رتب لهم تأليف السور بعد أن لم يكن فعل ذلك. روى يونس عن ابن وهب قال: سمعت مالكًا يقول: إنما أُلف القرآن على ما كانوا يسمعونه من قراءة رسول الله. ومن قال هذا القول لا يقول: إن تلاوة القرآن في الصلاة والدرس يجب أن يكون مرتبًا على حسب الترتيب المُوقَف عليه في المصحف؛ بل إنما يجب تأليف سوره في الرسم والكتابة خاصة. ولا نعلم أن أحدًا منهم قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة، وفي قراءة القرآن ودرسه, وإنه لا يحل لأحد أن يتلقَّن الكهف قبل البقرة، ولا الحج بعد الكهف، ألا ترى قول عائشة للذي سألها أن تريه مصحفها ليكتب مصحفًا على تأليفه: "لا يضرك أيه قرأت قبل"؟ وإن ما روى عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كَرِها أن يُقرأ القرآن منكوسًا، وقالا: ذلك منكوس القلب. فإنما عَنَيَا بذلك من يقرأ السورة -أي نفسها- منكوسة, ويبتدئ من آخرها إلى أولها؛ لأن ذلك حرام محظور]. انتهى.

وقال أبو بكر بن الباقلاني: [والذي نقوله: إن ترتيب السور ليس بواجب في الكتابة, ولا في الصلاة, ولا في الدرس, ولا في التلقين والتعليم, وأنه لم يكن من النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك نصٌّ, ولا حدٌّ تحرم مخالفته؛ ولذلك اختلف ترتيب المصاحف قبل مصحف عثمان. قال: واستجاز النبي -صلى الله عليه وسلم- والأمة بعده في جميع الأعصار ترك ترتيب السور في الصلاة, والدرس, والتلقين]. اهـ. نقله عنه النووي في "شرح مسلم".

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني