الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التفضيل بين صيام شعبان والمحرم

السؤال

لماذا لم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يصوم أي شهر بعد رمضان مثل ما كان يصوم شعبان؟ مع أن أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم.‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فكون أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم قد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وقد أجاب النووي -رحمه الله- عن إكثار النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصوم في شعبان دون المحرم بجوابين؛ أحدهما: لعله إنما عَلِمَ فَضْلَهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ. وَالثَّانِي: لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِضُ فِيهِ أَعْذَارٌ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. وتعقب هذا الحافظ ابن رجب -رحمه الله-، وأجاب بما حاصله: تفضيل صوم شعبان، وأنه بالنسبة لرمضان كالسنة الراتبة، وكون الصوم في المحرم أفضل هو باعتبار التنفل المطلق، فلا يدخل فيه صوم شعبان، وعبارة ابن رجب -رحمه الله-: فإن قيل: فكيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخص شعبان بصيام التطوع فيه مع أنه قال: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم"؟ فالجواب: أن جماعة من الناس أجابوا عن ذلك بأجوبة غير قوية، لاعتقادهم أن صيام المحرم، والأشهر الحرم أفضل من شعبان، كما صرح به الشافعية، وغيرهم، والأظهر خلاف ذلك، وأن صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، ويدل على ذلك: ما خرجه الترمذي من حديث أنس: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: "شعبان" تعظيمًا لرمضان، وفي إسناده مقال، وفي سنن ابن ماجه: أن أسامة كان يصوم الأشهر الحرم، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صم شوالا" فترك الأشهر الحرم، فكان يصوم شوالا حتى مات، وفي إسناده إرسال، وقد روي من وجه آخر يعضده، فهذا نص في تفضيل صيام شوال على صيام الأشهر الحرم، وإنما كان كذلك، لأنه يلي رمضان من بعده كما أن شعبان يليه من قبله، وشعبان أفضل لصيام النبي -صلى الله عليه وسلم- له دون شوال، فإذا كان صيام شوال أفضل من الأشهر الحرم، فلأن يكون صوم شعبان أفضل بطريق الأولى. فظهر بهذا أفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة، فكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه. ويكون قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان المحرم": محمولا على التطوع المطلق بالصيام ... كما أن قوله في تمام الحديث "وأفضل الصلاة بعد المكتوبة: قيام الليل" إنما أريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن الرواتب عند جمهور العلماء خلافا لبعض الشافعية. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني