الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين حديث: اغتنم خمسا. وبين حديث: أحب الأعمال أدومها وإن قل

السؤال

أحيانا أجد في نفسي نشاطا للعبادة في أوقات، وأحوال مختلفة، وأمتنع خشية عدم المداومة على العمل.
فكيف السبيل للجمع بين معنى حديث: اغتنم خمسا قبل خمس، واغتنام الأيام، والليالي الفاضلة، من جهة؛ وبين حديث: أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. من جهة أخرى؟
وما هو الضابط في ذلك، حتى لا أفوت على نفسي حسنات، أحوج ما أكون لها يوم القيامة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فإذا وجدت من نفسك نشاطا في وقت من الأوقات على الطاعة، فأقبل عليها، واغتنم نشاطك، ولا تترك العبادة بحجة أنك ربما تفتر، أو تنقطع عنها؛ فإن الفتور بعد النشاط أمر معلوم، وقد جاء في الحديث: فَإِنَّ لِكُلِّ عَابِدٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً. رواه أحمد والترمذي واللفظ لأحمد.

والمعنى أن لكل عابد حرصا، ونشاطا، ورغبة، ولكل حرص ونشاط ورغبة وهناً وضعفا وسكونا. يعني أن العابد يبالغ في العبادة، وكل مبالغ تسكن حدته، وتفتر مبالغته بعد حين.
والضابط في الإقبال حين النشاط أن لا تبالغ حتى لا تشدد على نفسك، وتنفر من العبادة، وإنما تجتهد بقدرٍ يناسب نشاطك، وطاقتك من غير إفراط.

وقد جاء بيان هذا الضابط في رواية الترمذي للحديث السابق فقد جاء فيها: ... وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ، وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فَلَا تَعُدُّوهُ.
قال في تحفة الأحوذي: ( صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ ) أَيْ جَعَلَ صَاحِبُ الشِّرَّةِ ( النشاط ) عَمَلَهُ مُتَوَسِّطًا، وَتَجَنَّبَ طَرَفَيْ إِفْرَاطِ الشِّرَّةِ، وَتَفْرِيطِ الْفَتْرَةِ ( فَارْجُوهُ ) أَيْ ارْجُو الْفَلَاحَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ الدَّوَامُ عَلَى الْوَسَطِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدُومُهَا ( وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ ) أَيْ اِجْتَهَدَ وَبَالَغَ فِي الْعَمَلِ لِيَصِيرَ مَشْهُورًا بِالْعِبَادَةِ، وَالزُّهْدِ وَصارَ مَشْهُورًا مُشَارًا إِلَيْهِ ( فَلَا تَعُدُّوهُ ) أَيْ لَا تَعْتَدُّوا بِهِ، وَلَا تَحْسَبُوهُ مِنْ الصَّالِحِينَ لِكَوْنِهِ مُرَائِيًا .. اهــ.
وبهذا يظهر لك أنه ليس ثَمَّ تعارض بين حديث: اغتنم خمسا. وبين حديث: أحب الأعمال أدومها وإن قل.

فالحديث الأول فيه الحث على اغتنام العمر، ولكن ليس فيه الحث على تكليف النفس ما لا تطيق، أو ما فيه تشديد عليها، فاغتنم عمرك ونشاطك في الطاعة بغير إفراط، وتشديد على النفس، وداوم على ما تستطيع من العمل، وفي الحديث الصحيح: يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ خُذُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ. متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني