الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما علاج من تعلق قلبه بغير الله؟

السؤال

ما علاج من تعلق قلبه بغير الله ـ والعياذ بالله؟ نطلب من فضيلتكم تحديد النقاط التي تفيدنا في هذه المسألة -جزاكم الله خيرًا، وجعل الله هذه الأعمال في ميزان حسناتكم-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان مقصودك تعلق القلب بامرأة بالعشق، ونحوه، فالعشق علاجه ميسور، لمن يسره الله عليه، وراجع فيه الفتوى رقم: 9360.

وإن كان المقصود التعلق بغير الله عمومًا، فراجع الفتوى رقم: 270748.

قال ابن القيم في مدارج السالكين: فصل: المفسد الثالث من مفسدات القلب: التعلق بغير الله تبارك تعالى، وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق، فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه، وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله، وكله الله إلى ما تعلق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه، فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل. انتهى.

وسئل الشيخ محمد المختار الشنقيطي: هناك ظاهرة التعلق بالأشخاص، فما هو علاجها، والسبيل إلى النجاة منها؟

الجواب: أما التعلق: فبلاء، وأي بلاء! ذلك البلاء الذي تتألم، وتتأوه منه القلوب, فحق عند الله ثابت لا مرية فيه, معلوم بسنته أن من أحب لغير الله، عذبه الله بحب شيء سواه, كل من أحب شيئًا لغير الله، عذبه الله بذلك الحب؛ ولذلك تجد أشد الناس عذابًا أهل العشق, وتجدهم يهيمون في أودية الدنيا، يرتعون ويعذبون ليجمع الله لهم بين عذابي الدنيا والآخرة، وهم يفتنون، أعظم البلايا تعلق القلوب بغير الله جل وعلا على وجه لا يرضي الله, إن التعلق اتجاه القلوب إلى الصور، والمناظر، والجمال, ويجلس الإنسان طليق الوجه، حسن العبارة، لا لله جل وعلا, وتخرج منه الكلمات المنمقة المعسولة المكذوبة، الفاجرة الجائرة الخارجة عن منهج الله وصراطه, هذا من أعظم البلايا، وأشد الرزايا، فلذلك ينبغي للإنسان أن يعلم من قرارة قلبه أن من أشد البلايا، وأعظمها انصراف القلب لغير الله جل جلاله, فإياك أن ينصرف قلبك، أو شعبة من شعب قلبك إلى غير الله جل جلاله, واجتهد من الليلة أن تجعل قلبك لله, تمسي وليس فيه إلا الله, وتصبح وليس فيه إلا الله, تتفقد حالك ما الذي فعلته من الطاعات، فتشكر الله جل جلاله, وما الذي فعلته من المعاصي فتندم، وتتوب وتريق الدمعة الصادقة بينك وبين الله جل جلاله, تجعل القلب لله، فإن القلب مخلوق لله, وما خلقه الله إلا لعبادته جل جلاله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56} ما خلق الله هذه المضغة إلا لكي تسكن بتوحيده، وحبه، وتعظيمه، وتمجيده، واليقين فيه، وإخلاص العمل له جل جلاله, ما خلقت لكي تهيم في تلك الأودية السحيقة المليئة بعذاب الدنيا والآخرة؛ ولذلك كم من شباب ذاقوا حياة التعب والنصب الذي لا يعلمه إلا الله، حتى وصل بأحدهم أنه فتن في صلاته، وعبادته -نسأل الله السلامة-.

أما الحل، والعلاج، والدواء، ففي أمور:

أولها: دعوة صادقة تهدها في دياجير الظلمات في الأسحار إلى المليك القهار، مقلب القلوب والأبصار, تسأله أن يصرف قلبك إليه جل جلاله, وقل: يا رب، أذنبت, يا رب، هأنا بين يديك أسألك أن تخلص قلبي لك وحدك لا شريك لك، هذا أول أمر.

الأمر الثاني: أن تأخذ بأسباب حب الله جل وعلا, لماذا تحب؟ ولماذا تتعلق بمخلوق ضعيف لا يغني عنك من الله جل وعلا شيئًا؟ عذاب، ونصب يؤذيك، ولا يرضيك, يضرك ولا ينفعك بإذن الله جل جلاله, فما الذي تريد منه؟ هل إذا مرضت يشفيك؟ هل إذا ضللت يهديك؟ هل يطعمك ويسقيك؟ لا يغني عنك من الله ولا من باريك شيئًا, فاتق الله، ينبغي للإنسان أن يحس أنه لا ينفعه ذلك شيئًا عند الله جل وعلا, فخذ بالأسباب التي من أعظمها الدعوة الصادقة أن يخلص الله قلبك له وحده لا شريك له.

السبب الثاني الذي يعين على انصراف القلب عن التعلق، وهذا من أقوى الأسباب: ألا يقع التعلق إلا بسبب خلل في الصلوات الخمس, خذوها قاعدة لن يقع شاب، ولا شابة، ولا رجل، ولا امرأة، ولا صغير، ولا كبير في معصية إلا بسبب التفريط في الصلوات الخمس, فإذا أردت أن يعصمك الله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فأعط هذه الصلوات الخمس حقها، وقدرها, دليل ذلك قول الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا { البقرة:45} يا عبادي يا من آمنوا بي، استعينوا بماذا؟ استعينوا بالصبر، إذا ابتلاك تصبر: بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ {البقرة:45} وقال تعالى في الآية الثانية: أَقِمِ الصَّلاة {الإسراء:78}أقمها خالصة صادقة: إِنَّ الصَّلاةَ {العنكبوت:45} ما قال: والصلاة، إنّ: حرف توكيد يثبت الأمر ويحتمه: إِنَّ الصَّلاةَ {العنكبوت:45} أي: إذا أعطيتها حقها وقدرها: تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت:45} بمجرد ما تعطي الصلاة حقها في الوضوء والطهارة, بدل أن تأتي في الركعة الأخيرة، تأتي مع تكبيرة الإحرام، أو تأتي عند الأذان, بل تأتي قبل الأذان، فلا يؤذن إلا وأنت في المسجد, فتخرج يوم تخرج من المسجد وأنت آخر من يخرج, فتنادي بتلك الدعوة، وتصعد إلى السماء: حفظك الله كما حفظتني, دعوة من عبادة تفتح لها أبواب السماء لا تذهب هدرًا؛ ولذلك جرب -والله- ما من صلاة تتم طهارتها وركوعها وسجودها إلا حفظك الله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كالصلوات الخمس، ثم إذا أردت أكمل من ذلك، فأكثر من النوافل, فإن وجدت قلبك يحب زيدًا وعمرًا لجمال، أو لمال، أو لحسب، أو لنسب، فقم واركع بين يدي الله جل وعلا, واصرف هذه اللحظات لله جل وعلا, واجعل في آخر الصلاة لك دعوة, فإن من مظان الإجابة أدبار الصلوات, فاجتهد في الصلاة، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, فنسأل الله العظيم، رب العرش الكريم أن يخلص قلوبنا بالحب له جل جلاله, وألا يبتلينا بحب أحد سواه.

ثم هناك أسباب دنيوية، فانظر إلى هذا الشخص الذي تعلق قلبك به, يحب غيرك، ويتعلق بغيرك, فلماذا تعلق القلب به؟ ثم انظر إليه في أشنع الصور, انظر إليه في أحقر الصور, انظر إليه نائمًا ذليلًا، إذا نام سال لعابه على وجهه، لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا, مخلوق ضعيف تافه حقير، لا يغني عن نفسه من الله شيئًا, تصرف شُعب قلبك الذي هو نجاتك وهلاكك إلى هذا العبد المسكين؛ فلذلك ينبغي للإنسان أن يجتهد في هذه الأمور.
ومن الأسباب التي تدفع التعلق: كثرة غشيان حلق الذكر, والتأثر بالمواعظ, وعرض القلوب على الآخرة من مشاهدها، ومن زيارة القبور، وتفقد مجالس الصالحين, والفرار من الجلوس مع المرد, إياك أن تجلس مع الأمرد إذا وجدت فتنته في قلبك, إياك أن تختلي به, إياك أن تحرص على مجالسه, إياك أن تحرص على زيارته, ولكن تفر منه فرارًا من الله إلى الله, فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسلمنا من الفتن، ما ظهر منها، وما بطن، والله تعالى أعلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني