الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يقع الطلاق بحديث النفس

السؤال

أجبتموني في الفتوى رقم: 2534115.
وأعتقد أنني بحاجة إلى مزيد من التوضيحات، والإضافات؛ لدقة الموقف، وضرورته، راجيًا إجابتكم بالسرعة الممكنة لاقتراب انتهاء العدة -إن كان الطلاق قد وقع-.
أنا متزوج منذ عشرة شهور، ولم تحمل زوجتي إلى الآن، ونشب خلاف استمر أسبوعين، وفي آخر ليلة أصرت زوجتي على أن أعيدها لأهلها، وقالت لي:
1-"أعط بطاقتي الشخصية، وأوراقي الخاصة، والعقد للمحامي فلان"، وكان قصدها طلب الطلاق، وأجبتها بالإيجاب، ولا أتذكر قطعًا نيتي، فقد كانت مصرة بشدة.
2- وقالت كذلك بعد كثير من الكلام، والخروج -ربما قليلًا- من الغرفة، ثم العودة: "اجعل أخواتك يجمعن ملابسي، ويرسلنها لبيت أهلي"، وأجبتها بالإيجاب.
التعليق: لقد قرأت من أقوال ابن قدامة -رحمه الله- في زاد المستقنع: "ولا يقع بكنايةٍ طلاقٌ، إلا بنية مقارنة للفظ، إلا حال خصومة، أو غضب، أو جواب سؤالها"
أليس جوابي هنا: (وهو الإيجاب) هو جواب سؤالها؟ علمًا أنني غير متأكد: هل أجبتها لمجرد إسكاتها، أو كنت قاصدًا ذلك فعلًا، وعلمًا أنني لم أرسل تلك الأوراق كما طلبت.
3- بعدها بيوم، كنت أفكر كأني أحدثها وهي غير موجودة، ولفظت لفظة الطلاق لها بصوت خافت.
عادة أحدث نفسي، وأحيانًا يتحول حديث النفس إلى كلام، وهذا ما حصل معي عندما حدثت نفسي عن موضوع المشكلة، وأعتقد عندها أني كنت أتخيل أنني أقول كلمة الطلاق لها أثناء تفكيري في صدري، إلا أنني تلفظت، وأعتقد دون إرادة مني، لكنني كنت أريد أن أقول لها بصدري، وأظن أنني لم أنو قولها بلساني الذي تحرك بصوت خافت، وقد قرأت أن بعض العلماء يوقع الطلاق بمجرد لفظه؛ حتى لو كان بسبب حديث النفس، وحتى بلا نية، بينما علماء آخرون، يقولون: إن طلاق الخطأ لا يقع، وهل يعد طلاقي خطأ باعتبار أنني لم أقصد لفظه؟ أم إن الخطأ هو عندما يتكلم الرجل في موضوع آخر، وتأتي هذه الكلمة على لسانه في غير محلها؟. وقد قرأت عندكم أن من شروط اللفظ المستعمل في الطلاق: القطع، أو الظن بحصول اللفظ، وفهم معناه، والمراد حصول اللفظ، وفهم معناه، وليس نية وقوع الطلاق به للفظ الصريح، وهل الكلمة المكتوبة باللون الأحمر يقع بها شيء؟
4-ثم حدثتني نفسي لاحقًا، في عدم وجودها، وقلت: المرأة التي تفعل بي هذا لا أريدها، وخرج لفظ صوتي بكلمة: "لا أريدها" بمعنى الفراق، فهل يقع شيء؟
5- سألتني والدتي بعد ذلك: ألا تريد إعادتها؟ فأجبت: لا، لا أريدها، لكنني ما قصدت طلقة جديدة على ما أعتقد، إنما قصدت التقرير، والتأكيد على أن قراري السابق نهائي، ولم أغير رأيي، وأن الأمر قد انتهى، ولا أريد إرجاعها، فهل هذا يوقع شيئًا؟
6-بعد ذلك كلمت المحامي عما يجب من نفقة، ومستحقات، وغير ذلك عند التطليق، وحينها كنت أتكلم وكأن الأمر قد انتهى، فهل هذا يوقع طلاقًا جديدًا؟
7 -بعد ذلك كلمت أباها، وقلت له: إن الجواب الذي حصلت عليه هو وقوع الطلاق مرتين، وأن المتبقي واحدة؛ مما يعني أنها في العدة، وأنني قررت ألا نعود، وأن الانفصال أفضل؛ لعدم وجود التفاهم، وأنني مصر على رأيي، وكنت أتكلم وكأن الأمر قد انتهى، فهل هذا يوقع طلاقًا جديدًا؛ لأن لي رغبة الآن بالعودة للخوف من الإثم، وتأنيب الضمير.
8-هل دعائي لها بعد الصلاة بقولي: اللهم اغفر لي، ولزوجتي، وذلك بعدما حصل، هل يعد رجعة، علمًا أني أستخدم لفظ الزوجة؛ لعدم تأكدي من وقوع طلاق من عدمه، وكذلك لأن المطلقة تبقى زوجة لحين انتهاء العدة حسب ما أفهم.
9-هل إعادة كلماتي، والألفاظ التي نطقت بها -لغرض الاستعلام من الشيوخ، أو المحامي- بما فيها الكلمة الصريحة- تعد إيقاعًا جديدًا؟ وسواء فعلت ذلك لفظًا، أو كتابة؛ لقول العلماء: إن اللفظ الصريح يقع بلا نية.
10-إضافة لذلك أنا كثير حديث النفس، وعندما أحدث نفسي تخرج الكلمات، وقد حدثت نفسي كثيرًا، وخرجت مني كلمات حول موضوعي، هذا تحديدًا، وحول تلك الألفاظ، وأنا متأكد من ذلك، لكنني لا أتذكر تلك الكلمات بدقة، فهل هناك احتمال وقوع شيء مني؟
11-حدثت نفسي قائلًا عنها في يوم المشكلة: إنها انفعالية، غريبة الأطوار، وأخاف إن عادت أن تتسبب في مصيبة، ليتها لا ترجع، حينها كان فمي مفتوحًا، لا تتحرك شفاهي، لكنني أحسست بتحرك لساني دون فمي، ولا شفاهي، بحركة خفيفة أثناء قول كلمة (ما ترجع) ودون صوت، فهل يقع شيء بتحرك اللسان فقط حركة خفيفة؟
12- حديث النفس بلفظ بكلام موجه لأبيها: "لو كان الأمر مجرد غضب لأرجعتها، لكن الأمر مختلف"، هل يوقع شيئًا؟
13-تلفظت بالقول عن نفسي: (divorced) وكنت أقصد أن العلاقة انتهت، ثم تلفظت بالقول (مطلق) عن نفسي، فهل يوقعان شيئًا؟
14-كنت أكلم أحد أقاربي عن موضوع مختلف تمامًا، فقلت له: إن الرجل الذي لا تحترمه زوجته (وهنا لا أتكلم عن زوجتي، بل بشكل عام) فعليه أن يقول لها: أنت ... فهل يقع شيء؛ لقول العلماء: "إن الطلاق يقع بمجرد اللفظ بلا نية"؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فسنجيب عن هذا السؤال في النقاط التالية:

النقطة الأولى: أن الطلاق لا يقع بحديث النفس، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى رقم: 138220، ثم إن الطلاق إذا كان الدافع إليه الوسوسة، فلا يقع، وانظر الفتوى رقم: 102665.

وإذا كنت موسوسًا حقا فتكرار السؤال، أو التنقل بين المفتين، لا يزيدك إلا حيرة واضطرابًا، فمن أفضل طرق علاج الوسواس الإعراض عنه، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 3086.

النقطة الثانية: أن حكاية الطلاق لا يقع بها الطلاق، فلا تعد حكايتك للطلاق إيقاعًا لطلاق جديد، وانظر الفتوى رقم: 48463.

النقطة الثالثة: بالنسبة للإيجاب الذي حصل منك، فقد قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع بعد نقل كلام صاحب الزاد، وهو الحجاوي، وليس ابن قدامة، قال بعده: ولكن الصحيح أن الكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية، حتى في هذه الأحوال؛ لأن الإنسان قد يقول: اخرجي، أو ما أشبه ذلك غضبًا، وليس في نيته الطلاق إطلاقًا، فقط يريد أن تنصرف عن وجهه حتى ينطفئ غضبهما، وقد تلح عليه تقول: طلقني، طلقني، فيقول: طالق، وهو ما يريد الطلاق، لكن يريد طالق من وثاق، أو طالق إن طلقتك، فيقيده بالشرط، فعلى كل حال الصحيح أنه لا يقع إلا بنية. اهـ.

النقطة الرابعة: دعاؤك لزوجتك بالمغفرة، لا يعتبر إرجاًعا لها، ولمعرفة ما تحصل به الرجعة راجع الفتوى رقم: 30719.

النقطة الخامسة: النطق بالطلاق، ولو بصوت خافت، يقع به الطلاق، كما أوضحنا لك في الفتوى السابقة، ولكن نؤكد هنا أنك إذا كنت عند التلفظ مغلوًبا بالوسوسة، فلا يقع طلاقك بحال.

النقطة السادسة: أن يقين العصمة لا يزول بالشك في الطلاق، وانظر الفتوى رقم: 96797.

نسأل الله لنا، ولك العافية من كل بلاء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني