الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من يتحمل الدية في قتل الخطأ وشبه العمد

السؤال

في البلدان المضطربة كليبيا وسوريا، يتعرض كثير من الناس للقتل شبه العمد أو الخطأ، نتيجة حوادث مرور أو إطلاق نار غير مقصود وغير ذلك، ولم تعد هناك سلطة مركزية تمثل الدولة، فهل يعتبر الفصيل أو المجلس المحلي أو التنسيقية أو الجمعية الإغاثية التي ينتمي إليها القاتل عاقلة له؟ وهل تجب عليها الدية؟ وما قيمة هذه الدية، في ظل الفقر والحاجة التي يعانيها الناس، ووجود أولويات خطيرة لصرف المال القليل المتوفر؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فلا ندري ما تعنيه بقولك: الفصيل الذي ينتمي إليه القاتل ـ وليست الجمعية الإغاثية ولا المجلس المحلي من العاقلة التي يتحملون الدية في قتل الخطأ وشبه العمد، والدية إنما تجب على العاقلة ـ وهم عصبة القاتل ـ في قول جمهور أهل العلم، والدليل على أن العاقلة هم العصبة ما رواه مسلم وغيره عن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: ضَرَبَتْ امْرَأَةٌ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ وَهِيَ حُبْلَى فَقَتَلَتْهَا، قَالَ: وَإِحْدَاهُمَا لِحْيَانِيَّةٌ، قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ... الحديث.

جاء في الموسوعة الفقهية: عَاقِلَةُ الإْنْسَانِ عَصَبَتُهُ، وَهُمُ الأْقْرِبَاءُ مِنْ جِهَةِ الأْبِ كَالأْعْمَامِ وَبَنِيهِمْ، وَالإْخْوَةِ وَبَنِيهِمْ، وَتُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَى الأْقْرَبِ فَالأْقْرَبِ... وَبِهَذَا قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى الْقَوْل: إِنَّ الْعَاقِلَةَ هُمْ أَهْل الدِّيوَانِ إِنْ كَانَ الْقَاتِل مِنْهُمْ، وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ عَطَايَاهُمْ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ عِنْدَمَا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ جَعَل الدِّيَةَ عَلَى أَهْل الدِّيوَانِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْقَاتِل مِنْ أَهْل الدِّيوَانِ فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ مِنَ النَّسَبِ.... اهــ.

والمقصود بأهل الديوان على ما بينه الحنفية: وَأَهْلُ الدِّيوَانِ أَهْلُ الرَّايَاتِ، وَهُمْ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَتْ أَسَامِيهِمْ فِي الدِّيوَانِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ، فَإِنْ كَانَ غَازِيًا، وَلَهُ دِيوَانٌ يَرْتَزِقُ مِنْهُ لِلْقِتَالِ، فَعَاقِلَتُهُ مَنْ كَانَ فِي دِيوَانِهِ مِنْ الْغُزَاةِ، وَإِنْ كَانَ كَاتِبًا وَلَهُ دِيوَانٌ يَرْتَزِقُ مِنْهُ، فَعَاقِلَتُهُ مَنْ كَانَ يَرْتَزِقُ مِنْ دِيوَانِ الْكُتَّابِ إنْ كَانُوا يَتَنَاصَرُونَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دِيوَانٌ، فَعَاقِلَتُهُ أَنْصَارُهُ، فَإِنْ كَانَتْ نُصْرَتُهُ بِالْمَحَالِّ، وَالدُّرُوبِ يُحْمَلْ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، وَنُصْرَتُهُ بِأَهْلِ الْقَرْيَةِ يُحْمَلْ عَلَيْهِمْ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِلتَّنَاصُرِ، وَقِيَامِ الْبَعْضِ بِأَمْرِ الْبَعْضِ، فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَوْ أَهْلُ السُّوقِ أَوْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ أَوْ الْعَشِيرَةُ بِحَالٍ إذَا وَقَعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَمْرٌ قَامُوا مَعَهُ فِي كِفَايَتِهِ، فَهُمْ الْعَاقِلَةُ... اهـ من الفتاوى الهندية.

وكون الدولة لا توجد بها حكومة مركزية لا علاقة له بتقرير من هي العاقلة ـ فيما نرى ـ فإذا قيل بقول الجمهور فإن العاقلة هم العصبة، وهم من يتحمل الدية، وإذا قيل بقول الحنفية فالعاقلة من يتناصرون مع القاتل من أهل حرفته إذا جمعهم سجل واحد في الدولة، أو أهل محلته، أو قريته على ما تقدم ذكره آنفا، وأما مقدار الدية: فقد بيناه في الفتوى رقم: 114266.

وهو حق مالي لأولياء المقتول لا تجوز المماطلة فيه بحجة الظروف التي يعانيها الناس.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني