الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأثر الواضح على الجزيرة العربية قبل وبعد الإسلام

السؤال

أريد أن أعرف عن أثر دعوة الرسول (صلى الله عليه وسلم) على شبه الجزيرة العربية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن من أراد أن يعرف أثر دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم على الجزيرة العربية ينبغي له أن يعرف حالها قبل ذلك، فقد كانت الحالة الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية قد تردّت إلى أبعد الحدود إلا في بعض الجوانب الأخلاقية وخاصة ما له علاقة بالفخر والخيلاء؛ مثل الشجاعة والمروءة والنجدة، وحب الحرية وإباء الضيم والذل، والوفاء بالعهد، وقرى الضيف، والصبر.
أما الناحية الدينية فقد كان أهل الجزيرة في تخلف ديني شديد، ومعتقدات وثنية سخيفة.
ومن الناحية السياسية كانوا في فوضى قبلية لا تحكمهم دولة ولا يجمعهم نظام حتى في الممالك والدول التي كانت في أطراف الجزيرة فهي تابعة في أكثر الأحيان للفرس أو الرومان أو الحبشة.
وأما من الناحية الاجتماعية فقد نزلوا إلى حد سحيق، حيث ساد الجهل والأمية والفخر بالأحساب، والاعتزاز بالقبيلة، واضطهاد المرأة، بل ووأدها بنتاً في بعض الأحيان.
وأما من الناحية الأخلاقية فإنهم قد ساءت أخلاقهم إلى حد بعيد، حيث اشتغل كثير منهم بالغارات وقطع الطريق وسفك الدماء، وسادت بينهم العصبية والظلم والأخذ بالثأر، واغتصاب الأموال والتعامل بالربا وأكل مال اليتيم والسرقة والزنا، فكانت تلك الفترة التي بعث فيها النبي صلى الله عليه وسلم شر فترة بعث فيها نبي من الأنبياء، روى الإمام أحمد عن المقداد بن الأسود أنه قال: والله لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها نبي من الأنبياء في فترة جاهلية ما يرون أن ديناً أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل.
وفي هذا الجو المظلم والمجتمع الفاسد ظهرت دعوة محمد صلى الله عليه وسلم كالفجر الساطع يبدد الظلام المتلبد وينشر النور ويهدي إلى الطريق المستقيم ويفرق بفرقان القرآن بين الحق والباطل، وصدق الله العظيم حيث يقول: الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [إبراهيم:1].
لقد فتحت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم الأعين العمي والآذان الصم والقلوب الغلف، فارتقت بعقول الناس وأخلاقهم من الحضيض السافل إلى القمة السامقة، فتوحدوا بعد الشتات والتمزق والتفرق، وتحولوا من رعاة المواشي إلى قادة البشرية وسادتها ومعلميها.
فكان الأثر الواضح والبون الشاسع على أهل الجزيرة قبل ظهور الدعوة الإسلامية وبعدها، وصدق أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه حيث صور ذلك في عبارة وجيزة بليغة فقال: كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
وننصح الأخ السائل بقراءة كتاب: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني