الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

كثيرا ما نسمع أن الملوك والسلف قديما كانوا يؤدبون أبناءهم منذ الصغر, فيتسلمهم المؤدب، ويبدأ معهم في ذلك التأديب حتى يبلغ الابن الحلم. فأين هو ذلك المؤدب في زماننا الحالي؟ وكيف للأب أن يؤدب أبناءه منذ الصغر؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن تربية الأبناء وتأديبهم بآداب الشرع من آكد المهمات التي ينبغي تعاون الأسر والمجتمع عليها، ومن تعاونهم عليها أن يتعاونوا على تكوين علماء ربانيين تربويين ناجحين تتوفر فيهم أخلاق العلماء، وشفقة المربين، ورفقهم حتى يربوا النشء بأخلاقهم، ويرفقوا بهم، ويقوموا لهم بواجب الهداية والإرشاد والنصح والتعليم والتوجيه بالحكمة والصبر، فقد قال الإمام البخاري: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ {آل عمران: 79} حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ، وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ العِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ. اهـ

وقال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري: والربّاني: هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفتُ، وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين، يَرُبّ أمورَ الناس، بتعليمه إياهم الخيرَ، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم، وكان كذلك الحكيمُ التقيُّ لله، والوالي الذي يلي أمور الناس على المنهاج الذي وَليه المقسطون من المصْلحين أمورَ الخلق، بالقيام فيهم بما فيه صلاحُ عاجلهم وآجلهم، وعائدةُ النفع عليهم في دينهم ودنياهم، كانوا جميعًا يستحقون أن يكونوا ممن دَخل في قوله عز وجل: ولكن كونوا ربانيين... فالربانيون إذًا، هم عمادُ الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا. اهـ.

وقال الإمامُ ابن القيم رحمه الله: ومعنى الرَّبانيِّ في اللغة: الرَّفيع الدرجة في العلم، العالي المنزلة فيه... قال ابن عباس: حكماء فقهاء، وقال أبو رزين: فقهاء علماء، وقال أبو عمر الزاهد: سألتُ ثعلبا عن هذا الحرف وهو الرباني، فقال: سألتُ ابن الأعرابي، فقال: إذا كان الرجل عالما عاملا معلما قيل له هذا رباني، فإن خرم عن خصلة منها لم نقل له رباني. اهـ.

وذكر الذهبي في السير عن عبد الله بن وهب قال: ما نقلنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه. اهـ.

وقال النووي رحمه الله: وينبغي للمعلم أن يشفق على الطالب ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح ولده ومصالح نفسه، ويجري المتعلم مجرى ولده في الشفقة عليه والصبر على جفائه وسوء أدبه، ويعذره في قلة أدبه في بعض الأحيان، فإن الإنسان معرض للنقائص لا سيما إن كان صغير السن. انتهى.

وأما عن الأبوين: فعليهما تحمل مسؤولية تربية الأبناء على الدين، ووقايتهم من النار، وأن يهتما بتعليمهم العقيدة الصحيحة، والأحكام الشرعية، والآداب الإسلامية التي يحتاجونها لينشئوا نشأة إسلامية، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً {التحريم: 6}. قال علي في تفسيرها: علموهم وأدبوهم.

وقال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ {طـه: 132}. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين. رواه مسلم والترمذي، واللفظ للترمذي. قال النووي في شرح عال: قام بالمؤنة والتربية.

وقد حث الشرع على تربية الأولاد، وحضهم من الصغر على تطبيق تعاليمه السمحة، لأن التعليم في الصغر أرسخ، ولهذا قالوا: التعليم في الصغر كالنقش في الحجر.
وقال الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان منا * على ما كان عوّده أبوه

فينبغي أن يربى الطفل من صغره بالحلال تربية جسمية وعقلية، فإذا عقل الخطاب ربي تربية تعبدية، فحدث عن الله وعن رسوله وعن الإسلام، وعود على الأذكار والتعوذات والأدعية المأثورة وعلى الأخلاق الفاضلة، وبدئ بتعليمه القرآن والسنة وما يحتاج له من أمور الدين، فإذا وصل السابعة أمر بالصلاة ورغب فيها وضرب عليها عند العاشرة، فعن جندب بن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع.

ثم إنه لابد من تعليمه ما يحتاج له من علوم الوسائل المساعدة على فهم نصوص الوحي، ويتعين النظر في سلامة بيئته وصحبته من الشرور، فلا يسمح له بصحبة الأشرار، ولا بالذهاب لأوكار الفساد، بل يعوض عن ذلك بصحبة من يساعده على مهمته، فيربط بالمسجد وطلاب العلم ومجالس الخير، ثم يزوج إذا بلغ بذات الدين التي تعينه على أمر دينه وآخرته، ثم يعلم ويعان على طريقة كسب حلال يعف ويعول بها نفسه وأهله، وعلى خدمة مجتمعه بما ينفع من أمر الدين والدنيا، وليستعن في ذلك بمدارسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

وهناك كتب متخصصة في هذا المجال، منها: كتاب مسؤولية الأب المسلم مرحلة الطفولة ـ تأليف: عدنان حسن باحارث، وكتاب: منهج التربية النبوية للطفل ـ تأليف محمد نور سويد، وكتاب: تربية الأولاد في الإسلام ـ لعبد الله ناصح علوان، ويمكن تصفح موقع: المربي على الإنترنت، ويشرف عليه الشيخ محمد عبد الله الدويش، وقد تقدمت لنا فتاوى كثيرة في تربية الأولاد، فراجع مثلاً الفتاوى التالية أرقامها: 13767، 16834، 17078، 13607.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني