الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقوال أهل العلم في حكم السترة

السؤال

لدينا إمام يصر على وضع سترة أمامه في الصلاة علما أنه هو يقف في المحراب ولا يوجد أدنى احتمال لمرور أحد بين يديه فأرجو توضيح حكم السترة وماهي المسافة التي ينبغي سترها أمام المصلي ؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فيسن للمصلي إذا كان منفرداً أو إماماً أن يجعل أمامه سترة تمنع المرور بين يديه وتمكنه من الخشوع في أفعال الصلاة، وذلك لما رواه ابن ماجه عن أبي سعيد -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها، ولا يدع أحداً يمر بين يديه.
وهذا يشمل السفر والحضر، كما يشمل الفرض والنفل، قال العلماء: والحكمة في السترة كف البصر عما وراءها، ومنع من يجتاز بقربه.
والأمر في هذا الحديث للاستحباب، لا للوجوب، قال ابن عابدين: (صرح في المنية بكراهة تركها، وهي تنزيهية، والصارف للأمر عن حقيقته ما رواه أبو داود عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة). ومثله ما ذكره البهوتي من الحنابلة قال: (وليس ذلك بواجب؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما). فذكر الحديث السابق. ويستحب ذلك عند الحنفية والمالكية في المشهور، للإمام والمنفرد إذا ظن مروراً بين يديه، وإلا فلا تسن السترة لهما، قال في الهداية: (ولا بأس بترك السترة إن أمن المرور).
وقال خليل المالكي في مختصره: إن خشيا مروراً -أي الإمام والمنفرد-.
قال الدسوقي: معلقا: (ولو بحيوان غير عاقل كهرة) انتهى. وأطلق الشافعية والحنابلة القول بسنية السترة ولو لم يخش ماراً.
قال النووي في المجموع: (السنة للمصلي أن يكون بين يديه سترة من جدار أو سارية أو غيرهما ويدنو منها).
وقال ابن حجر الهيتمي: (وقد سئل عمن صلى على سطح ليس عليه حائط وبين السطح والجانب الذي إلى الشارع أقل من ثلاثة أذرع فهل يغني عن السترة؟:
الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة وكلام أصحابنا المتقدمين والمتأخرين أن ما ذكر لا يغني عن السترة... وقربه من السطح المذكور لا يغني عن السترة وإن امتنع بسببه المرور بين يديه عادة، لبقاء مرور الشيطان بين يديه لأن ذلك لا يمنع منه) انتهى.

وقال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: (ويستحب إلى سترة ولو لم يخش ماراً).
فهذا حاصل أقوال أهل العلم في حكم السترة، وبهذا تبين أن حرص الإمام على اتخاذ سترة في الصلاة ولو لم يوجد أدنى احتمال لمرور أحد بين يديه سائغ عند جماعة من أهل العلم؛ بل هو الراجح لما أشار إليه ابن حجر الهيتمي رحمه الله.
ولكن إذا كان وقوفه قريباً من جدار المحراب فهذا يغني عن نصب شيء آخر بين يديه، فقد نص أهل العلم على أن السنة للمصلي أن يكون بين يديه سترة من جدار أو سارية أو نحوه... وأما المسافة التي تكون بين المصلي وسترته فقد اختلف العلماء في تحديدها على أقوال، فقيل: ثلاثة أذرع، وقيل: ستة أذرع، قال ابن قدامة في المغني ( قال مهنا: سألت أبا عبد الله عن الرجل يصلي كم ينبغي أن يكون بينه وبين القبلة؟ قال: يدنو من القبلة ما استطاع، ثم قال بعد: إن ابن عمر قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة فكان بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع... قال عطاء أقل ما يكفيك ثلاثة أذرع، وبه قال الشافعي ) انتهى. علماً بأنه ينبغي للإمام أن يتأخر قليلاً عن المحراب ليراه المصلون ولا سيما إذا كان في المسجد متسع. انتهى. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني