الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام المنتحر والصلاة عليه

السؤال

شخص فجّر نفسه، وعندما أراد أهله دفنه رفض أهل القرية الصلاة عليه ودفنه، ورموه بالحجارة.
السؤال هنا: مثل هذا الشخص هل يجوز الصلاة عليه مثل باقي المسلمين أم يعتبر خارجًا عن الدين؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالانتحار وإن كان من موبقات الذنوب، وصاحبه متوعد بالخلود في النار، إلا إنه ليس بكافر عند عامة الفقهاء، وجمهور العلماء على أنه يصلَى عليه كبقية موتى المسلمين، ومن قال منهم بعدم الصلاة عليه فلم يقل ذلك لكفره، وإنما تغليظًا وزجرًا عن هذا الفعل، ولما جاء فيه من الوعيد بالنار، أو لمعاملته معاملة البغاة.

قال ابن بطال في (شرح صحيح البخاري): أجمع الفقهاء وأهل السنة أن من قتل نفسه أنه لا يخرج بذلك عن الإسلام، وأنه يصلى عليه، وإثمه عليه كما قال مالك، ويدفن في مقابر المسلمين، ولم يكره الصلاة عليه إلا عمر بن عبد العزيز، والأوزاعي، في خاصة أنفسهما، والصواب قول الجماعة؛ لأن الرسول سن الصلاة على المسلمين، ولم يستثن منهم أحدًا، فيصلى على جميعهم الأخيار والأشرار إلا الشهداء الذين أكرمهم الله بالشهادة. اهـ.

وقال الرملي في (نهاية المحتاج): (وغسله) أي الميت (وتكفينه والصلاة عليه) وحمله (ودفنه فروض كفاية) إجماعا؛ للأمر به في الأخبار الصحيحة، سواء في ذلك قاتل نفسه وغيره. اهـ.

وجاء في (الموسوعة الفقهية): الانتحار حرام بالاتفاق، ويعتبر من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله؛ قال الله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}، وقال: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}. وقد قرر الفقهاء أن المنتحر أعظم وزرًا من قاتل غيره، وهو فاسق وباغ على نفسه، حتى قال بعضهم: لا يغسل ولا يصلى عليه كالبغاة. وقيل: لا تقبل توبته تغليظًا عليه. كما أن ظاهر بعض الأحاديث يدل على خلوده في النار، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدًا مخلدًا فيها أبدًا". اهـ.

وجاء فيها أيضًا: يرى جمهور الفقهاء (الحنفية، والمالكية، والشافعية) أن المنتحر يصلى عليه؛ لأنه لم يخرج عن الإسلام بسبب قتله نفسه -كما تقدم-، ولما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "صلوا على من قال: لا إله إلا الله". ولأن الغسل والصلاة متلازمان عند المالكية، فكل من وجب غسله وجبت الصلاة عليه، وكل من لم يجب غسله لا تجب الصلاة عليه.

وقال عمر بن عبد العزيز، والأوزاعي -وهو رأي أبي يوسف من الحنفية، وصححه بعضهم-: لا يصلى على قاتل نفسه بحال؛ لما روى جابر بن سمرة: أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه. ولما روى أبو داود أن رجلًا انطلق إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره عن رجل قد مات، قال: وما يدريك؟ قال: رأيته ينحر نفسه، قال: أنت رأيته؟ قال: نعم. قال: "إذن لا أصلي عليه". وعلله بعضهم بأن المنتحر لا توبة له فلا يصلى عليه.

وقال الحنابلة: لا يصلي الإمام على من قتل نفسه عمدًا، ويصلي عليه سائر الناس ... اهـ.

وراجع للفائدة الفتويين: 168453، 2386.

وبذلك يعرف أن رفض أهل القرية للصلاة عليه له وجهه. وأما رفض دفنه ورميه بالحجارة فليس له وجه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني