الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ينسى القرآن نسيانًا كليًا

السؤال

ما الدليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا ينسى القرآن؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينسى القرآن الكريم هو الآية التي في سورة الأعلى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ [الأعلى:6، 7].

ولكن اختلف أهل التفسير في معنى النسيان، وفي الاستثناء، فمنهم من قال: النسيان على ظاهره بمعنى عدم الذكر، ومنهم من قال: النسيان معناه ترك العمل، أو معناه النسخ.

وقد ذهب عدد من محققي المفسرين كـ الطبري يرحمه الله، وابن كثير يرحمه الله إلى أن النسيان هنا على حقيقته، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نسي بعض القرآن في صلاته كما هو في الحديث الذي رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ في سورة بالليل فقال: يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أُنسيتها من سورة كذا وكذا. هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم رحمه الله: لقد أذكرني آية كنت أُنسيتها.

وكون النبي صلى الله عليه وسلم كان ينسى ثبت في أحاديث أخرى عن أُبَي بن كعب وعبد الله بن عباس وآثار عن ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم، ولكنه لم يكن ينسى نسياناً كليًّا، بل كان يذكر ما ينساه، ذكر ذلك القرطبي في تفسيره عن ابن عباس وقتادة، وقال أيضاً أنه لم ينسَ شيئاً من القرآن بعد نزول هذه الآية عليه: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ، وحمل الاستثناء هنا على ما قاله الفراء وغير واحد من أهل اللغة: إلا ما شاء الله وهو لم يشأ أن تنسى شيئاً كقوله تعالى: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:108].

ولكن الطبري يرحمه الله لم يرجح هذا القول، بل رجح أن الإنساء يكون بمشيئة الله له، وهو مختص بالنسخ والرفع، قال في تفسيره (30/154): والقول الذي هو أولى بالصواب عندي قول من قال: فَلا تَنْسَى : فلا تنسى إلا أن نشاء نحن أن ننسيكه بنسخه ورفعه. اهـ.

وخلاصة القول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان نادراً ما ينسى القرآن، ونسيانه بحكم أنه بشر كما قال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون. متفق عليه.

ولكنه كان يذكر ما ينساه، وأنه لم ينس قط بعد أن أنزل الله عليه الآية الكريمة: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى* إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ. إلا ما شاء الله نسخه من القرآن نسخ تلاوة وحكم، حيث لم يعد مطلوباً منه حفظه ولا العمل به.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني