الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأحاديث التي تكلم عليها الحفاظ في صحيح البخاري

السؤال

ما هي الأحاديث الضعيفة في صحيح البخاري؟ أرجو ذكر أمثلة مثل حديث انقطاع الوحي عن الرسول، و لماذا أوردها الإمام البخاري؟ وكيف وقواعده في القبول متينة؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد قال ابن الصلاح ـ رحمه الله ـ في مقدمته: مَا انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ أَوْ مُسْلِمٌ مُنْدَرِجٌ فِي قَبِيلِ مَا يُقْطَعُ بِصِحَّتِهِ لِتَلَقِّي الْأُمَّةِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ كِتَابَيْهِمَا بِالْقَبُولِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَصَّلْنَاهُ مِنْ حَالِهِمَا فِيمَا سَبَقَ، سِوَى أَحْرُفٍ يَسِيرَةٍ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا بَعْضُ أَهْلِ النَّقْدِ مِنَ الْحُفَّاظِ، كَالدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ. انتهى.
وقال ابن حجر ـ رحمه الله في النكت: واعلم أن هذا الذي قاله ابن الصلاح هو قول جماهير الأصوليين من أصحابنا وغيرهم، قد جزم به الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني فقال في كتابه أصول الفقه: الأخبار التي في الصحيحين مقطوع بصحة أصولها ومتونها ولا يحصل الخلاف فيها بحال، وإن حصل في ذلك اختلاف في طرقها أو رواتها فمن خالف حكمه خبرا منها وليس له تأويل سائغ للخبر نقضنا حكمه لأن هذه الأخبار تلقتها الأمة بالقبول. انتهى.
فظهر بهذا أن عامة أحاديث الصحيحين صحيحة قد تلقتها الأمة بالقبول، إلا أحاديث يسيرة انتقدها عليهما جمع من الحفاظ كالدارقطني، فالأدق في العبارة أن نقول الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري.
وأما سرد هذه الأحاديث فتضيق الفتوى بذكرها، وذلك أن عددها مائة وعشرة أحاديث، كما قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في مقدمة الفتح: وعدة ما اجتمع لنا من ذلك مما في كتاب البخاري وإن شاركه مسلم في بعضه مائة وعشرة أحاديث منها ما وافقه مسلم على تخريجه وهو اثنان وثلاثون حديثا ومنها ما انفرد بتخريجه وهو ثمانية وسبعون حديثا. انتهى. ثم قال في نهاية الفصل: هذا جميع ما تعقبه الحفاظ النقاد العارفون بعلل الأسانيد المطلعون على خفايا الطرق وليست كلها من أفراد البخاري بل شاركه مسلم في كثير منها.. وليست كلها قادحة بل أكثرها الجواب عنه ظاهر والقدح فيه مندفع، وبعضها الجواب عنه محتمل، واليسير منه في الجواب عنه تعسف، كما شرحته مجملا في أول الفصل وأوضحته مبينا أثر كل حديث منها، فإذا تأمل المنصف ما حررته من ذلك عظم مقدار هذا المصنف في نفسه وجل تصنيفه في عينه وعذر الأئمة من أهل العلم في تلقيه بالقبول والتسليم وتقديمهم له على كل مصنف في الحديث والقديم. انتهى.
وقد ذكر الدكتور أبو بكر كافي في رسالته (منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها) أمثلة لبعض الأحاديث المنتقدة في البخاري، وذكر الجوا ب عنها، فمن هذه الأحاديث:
حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه.
ومنها حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حداً فأقمه علي، قال ولم يسأله عنه، قال وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم، قام إليه رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حداً فأقم في كتاب الله، قال: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم، قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك ـ أو قال: حدك.
ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وهبته.
وأما لماذا أوردها الامام البخاري في صحيحه وقواعده في القبول متينة، فقد أجاب عن ذلك ابن الصلاح فيما نقله عنه الدكتور أبو بكر كافي في رسالته (منهج الإمام البخاري) حيث قال: والسؤال الذي يمكن أن يُطرح : لماذا يخرج البخاري لمثل هؤلاء الضعفاء مع أن الحديث قد يكون مروياً بإسناد آخر أقوى منه ؟ ونفس الإشكال يُطرح أيضاً على الإمام مسلم.
وقد أجاب الإمام ابن الصلاح عن هذا فقال ما ملخصه :عاب عائبون مسلماً بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء أو المتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية الذين ليسوا من شرط الصحيح.
والجواب: أن ذلك لأحد أسباب لا معاب عليه معها.
أحدها: أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده.
الثاني: أن يكون ذلك واقع في الشواهد والمتابعات.
الثالث: أن يكون صنف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخذه عنه، باختلاط حدث عليه غير قادح فيما رواه من قبل في زمان سداده واستقامته.
الرابع: أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده، وهو عنده برواية الثقات نازل فيذكر العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفياً بمعرفة أهل الشأن بذلك، ولما أنكر أبو زرعة على مسلم روايته عن أسباط بن نصر، وقطن بن نسير، وأحمد بن عيسى المصري، قال : إنما أدخلت من حديث أسباط، وقطن، وأحمد، ما قد رواه الثقات عن شيوخهم، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع، ويكون عندي من رواية أوثق منه بنزول، فاقتصر على ذلك، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات. اهـ. وما أجاب به ابن الصلاح عن الإمام مسلم هو نفسه الجواب عن الإمام البخاري. انتهى. وراجع الفتوى رقم: 189591.
وللفائدة أيضا يرجى مراجعة هذه الفتوى: 128476.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني