الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم غسل من انغمس في وعاء دون القلتين

السؤال

أفتح صنبور الماء، وأملأ الحوض بالماء، وأسد الحوض لكي لا يخرج الماء من الحوض، وأغتسل فيه، والصنبور مفتوح، فهل غسلي من الجنابة صحيح؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان هذا الماء الذي في الحوض حين انغمستَ فيه قُلّتين فأكثر، صح اغتسالك من الجنابة دون خلاف نعلمه.

والقُلَّتان ما يساوي ماءً في وعاءٍ مكعبٍ كلٌّ من طولِه، وعرضِه، وعمقِه ذراعٌ وربع، وهو ما يقارب مائتي لتر تقريبًا.

أما إن كان الماء في هذا الحوض دون قلتين حين انغمست فيه، فقد اختلف أهل العلم في صحة هذا الاغتسال، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ: إذا انغمس الجُنُب، أو المحدث فيما دون القلتين ينوي رفع الحدث صار مستعملًا، ولم يرتفع حدثه. وقال الشافعي: يصير مستعملًا، ويرتفع حدثه؛ لأنه إنما يصير مستعملًا بارتفاع حدثه فيه. ولنا: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم، وهو جنب» رواه مسلم، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه؛ ولأنه بانفصال أول جزء من الماء عن بدنه -أي: عند خروجه من الماء- صار الماء مستعملًا، فلم يرتفع الحدث عن سائر البدن، كما لو اغتسل فيه شخص آخر. فإن كان الماء قُلَّتين فصاعدًا ارتفع حدثه، ولم يتأثر به الماء؛ لأنه لا يحمل الخبث. اهـ.

قال النووي في المجموع مبينًا مذهب الشافعي، وأصحابه: فحصل أنه ليس في المسألة خلاف ما دام الماء قلتين، أما إذا نزل في دون قلتين، فيُنظر:

إن نزل بلا نية، فلما صار تحت الماء نوى الغسل ارتفعت جنابته في الحال... وأما بالنسبة إلى غير هذا المغتسِل فيصير في الحال مستعمَلًا على الصحيح الذي قطع به الجمهور...

وأما إذا نزل الجنب ناويًا فقد صار الماء بنفس الملاقاة مستعملًا بالنسبة إلى غيره على الصحيح، وفيه وجه البغوي، وارتفعت الجنابة عن القدر الملاقي للماء من بدنه أول نزوله... وهل ترتفع جنابة الباقي من بدنه في الصورتين إذا تم الانغماس: فيه وجهان... والثاني، وهو المنصوص، وهو الصحيح باتفاق الأصحاب: يرتفع؛ لأنه إنما يصير مستعملًا إذا انفصل، ولأنه لو ردَّد الماء عليه لم يصر مستعملًا حتى ينفصل. اهـ.

لكن الشافعي وأصحابه وإن كانوا يصححون الغسل في الماء الراكد، إلا أنهم يكرهون ذلك، وإن كان الماء كثيرًا.

كما قال النووي: قال الشافعي -رحمه الله- في البويطي: أكره للجنب أن يغتسل في البئر، مَعينةً كانت أو دائمةً، وفي الماء الراكد الذي لا يجري. قال: وسواء قليلُ الماء وكثيرُه، أكره الاغتسال فيه، والبول فيه. هذا نصه بحروفه.

واتفق أصحابنا على كراهته كما ذكر، قال في البيان: والوضوء فيه كالغسل.

ويحتج للمسألة بحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب» فقيل: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: «يتناوله تناولًا». رواه مسلم. اهـ.

وكذا إن انضم هذا الماء المستعمل إلى غير المستعمل النازل من الصنبور، ففيه خلافٌ نقله ابن قدامة بقوله: وإن انضم ـ أي: المستعمل ـ إلى ما دون القلتين، وكثّر المستعمل، ولم يبلغ قلتين مُنِـع، وإن بلغ قلتين باجتماعه فكذلك، ويحتمل أن يزول المنع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث». اهـ.

فالأحوط لك، والأسلم، والأفضل ألا تفعل ذلك في المرات المقبلة، تركًا لما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وخروجًا من الخلاف في صحة هذا الاغتسال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني