الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اختلاف أهل التفسير من السلف الصالح اختلاف تنوع واجتهاد

السؤال

يوجد مفسرين قرآن من الصحابة، وكل تفسير يختلف عن التفسير الآخر، فكيف نحكم؟ وإذا حكم كل شخص بما يميل، فقد حكم بالهوى! و الهوى يضل عن سبيل الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد بينا في بعض الفتاوى السابقة أن أهل التفسير من السلف الصالح لم يختلفوا في تفسير ما هو قطعي الدلالة، ولا في أصول الدين، ولا في الفروع المعلومة من الدين بالضرورة، وأكثر اختلافهم ليس فيما نقلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو اختلاف تنوع، واجتهاد، وتوسعة في المعنى، وليس اختلاف تضاد في الغالب؛ ولهذا فإن قولك: "وكل تفسير يختلف عن التفسير الآخر" فيه نظر، وهو تعميم لا يسوغ.

أما ما أشكل على السائل، فإن أمره يسير، وهو أنه إذا وجد اختلاف بين تفسيرات الصحابة -رضوان الله عليهم- في بعض المسائل، فإن المفسر يرجع إلى الترجيح بينها بالاجتهاد، والنظر في الأدلة قوة وصراحة، وثمة وجوه كثيرة للترجيح عمومًا بينها العلماء، يقول ابن جزي ـ رحمه الله ـ: وأما وجوه الترجيح فهي اثنا عشر:

الأول: تفسير بعض القرآن ببعض، فإذا دل موضع من القرآن على المراد بموضع آخر حملناه عليه، ورجحنا القول بذلك على غيره من الأقوال.

الثاني: حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: فإذا ورد عنه عليه السلام تفسير شيء من القرآن عوّلنا عليه، لا سيما إن ورد في الحديث الصحيح.

الثالث: أن يكون القول قول الجمهور، وأكثر المفسرين: فإنّ كثرة القائلين بالقول يقتضي ترجيحه.

الرابع: أن يكون القول قول من يقتدى به من الصحابة، كالخلفاء الأربعة، وعبد الله بن عباس؛ لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل» .

الخامس: أن يدل على صحة القول كلام العرب من اللغة، والإعراب، أو التصريف، أو الاشتقاق.

السادس: أن يشهد بصحة القول سياق الكلام، ويدل عليه ما قبله، أو ما بعده.

السابع: أن يكون ذلك المعنى المتبادر إلى الذهن، فإنّ ذلك دليل على ظهوره، ورجحانه.

الثامن: تقديم الحقيقة على المجاز، فإنّ الحقيقة أولى أن يحمل عليها اللفظ عند الأصوليين، وقد يترجح المجاز إذا كثر استعماله حتى يكون أغلب استعمالًا من الحقيقة، ويسمى مجازًا راجحًا، والحقيقة مرجوحة، وقد اختلف العلماء أيهما يقدم: فمذهب أبي حنيفة تقديم الحقيقة؛ لأنها الأصل ومذهب أبي يوسف تقديم المجاز الراجح؛ لرجحانه، وقد يكون المجاز أفصح، وأبرع، فيكون أرجح.

التاسع: تقديم العمومي على الخصوصي، فإنّ العمومي أولى؛ لأنه الأصل، إلّا أن يدل دليل على التخصيص.

العاشر: تقديم الإطلاق على التقييد، إلّا أن يدل دليل على التقييد.

الحادي عشر: تقديم الاستقلال على الإضمار، إلّا أن يدل دليل على الإضمار.

الثاني عشر: حمل الكلام على ترتيبه، إلّا أن يدل دليل على التقديم والتأخير. اهـ

وإعمال أوجه الترجيح المختلفة، والاجتهاد في ذلك لا يسمى حكمًا بالهوى، ولا اتباعًا للهوى إذا كان وفق آلية صحيحة.

وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 270904، والفتوى رقم: 166841.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني