الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى إخراج الحي من الميت وأمثلة عليه

السؤال

لسنا في شك من أمر ديننا - ولله الحمد والمنة، وأحيانا تثار أمامنا شبهات يلزم الرد عليها، فأعينونا بقوة وبالحجة الدامغة، قيل لنا أن أي كائن حي لا بد أنه لا يخرج إلا من كائن حي حتى وإن كان ظاهره ميتا، فأعطونا أمثلة متعددة عن خروج الحي من الميت. وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجواب هذا السؤال يحتاج بداية إلى تحرير معنى الحياة والموت في نحو قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ {الأنعام:95}، فإنه لا يصح قصر معنى الحياة هنا على معنى الكائنات الحية في مقابل الجمادات في اصطلاح المعاصرين! وإلا فقد نص القرآن على إحياء الأرض بعد موتها، وقرنه بالمعنى السابق في قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ {الروم:19}، ومعلوم أن الأرض ليست كائنا حيا.
فلا يصح تفسير النصوص الشرعية بالاصطلاحات الحادثة.
وإذا تقرر هذا، فقد سبق لنا بيان عدة أمثلة لإخراج الحي من الميت في كتب المتقدمين، وذلك في الفتوى رقم: 54491، وأما العلاقة بين هذا المعنى وبين الاصطلاح الحادث فقد بيَّنها الشيخ محمد أبو زهرة في تفسيره (زهرة التفاسير) فقال: إخراج الله الحيّ من الميت قال بعض العلماء وهم الأكثرون: إنه إخراج الجسم النامي الذي يسير في مدارج الحياة، من الجسم الجاف الذي لَا تبدو فيه حياة، كإخراج الشجرة من النواة، والعود من البذرة؛ وإخراجُ الميت من الحي هو أيضا إخراج النواة الصلبة من الجسم الحيّ النامي، وإخراج البذرة الجافة من العود الحي الرطب، وقد يعترض على ذلك بأن النواة الجافة والبذرة الصلبة فيها حياة تولدت عنها تلك الحياة المحسوسة للنبات، وكذلك النطفة التي تبدو سائلا ليس فيه حياة فيها أحياء تتوالد فتكون ذلك الحيوان المحسوس، وقد يجاب عن ذلك بأن ذلك اصطلاح علمي، وإن الحياة التي تعرفها اللغة مظهر ذلك النماء المتدرج المستمر، وفى الحق أن إخراج الحيّ من الميت أمر محسوس مرئي كل يوم؛ فإن تلك الشجرة أو ذلك العود النامي يتغذى من الهواء والضوء والماء والتراب، وكلها جماد لا حياة فيها، وما يتم التحول المتدرج في الحياة إلا بتلك العناصر التي هي غذاء الحي، فهي إخراج الحي من الميت، وليس المراد من الميت من كانت به حياة ثم انتهت، إنما الظاهر من كلمة الميت هو ما لَا حياة فيه؛ وإن إخراج الميت من الحي أمر واضح لَا مجال للشك فيه؛ فهذا العود الأخضر يصير حطاما، وهذا الجسم الحيواني يتحلل فيكون رميما ثم يكون ترابا، وعلى هذا نقول: إن إخراج الحي من الميت ليس فلْق النوى بإخراج النبات والشجر منه فقط، بل بهذا وبتدرج الحياة، وإدخال عناصر الغذاء التي تكون الحي وأكثرها من جماد؛ ولذا قال سبحانه في آية أخرى: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأنَّى تُؤْفَكونَ) اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني