الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المقصود من أن العسل والحبة السوداء شفاء

السؤال

هل العسل شفاء من كل داء؟ وماذا عن الحبة السوداء؟ لأني قرأت أن الحديث الذي ذكر الحبة السوداء فيه ليس المعنى على ظاهره، وكذلك العسل ليس لكل داء، وذكر معنى الحديث كالتالي: "ومثل ما أخبر الله تعالى به من وجود شفاء في العسل أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن في الحبة السوداء شفاء من كل داء، وصيغة هذا الحديث فيها من التعميم ما ليس في آية النحل، ومع ذلك فلا يُعرف من يقول أن عمومها على ظاهره، وأنها نافعة لكل داء، وهو الأمر نفسه الذي قيل في العسل".
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أخبر الله -جل وعلا- في كتابه عن العسل بأن فيه شفاء، كما قال تعالى: ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {النحل:69}.

والصحيح أنه ليس في الآية دلالة على أن العسل شفاء من كل داء، أو أنه شفاء لكل أحد؛ جاء في المحرر الوجيز لابن عطية: وقوله ( فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) الضمير للعسل، قاله الجمهور، ولا يقتضي العموم في كل علة وفي كل إنسان، بل هو خبر عن أنه يشفي كما يشفي غيره من الأدوية في بعض دون بعض، وعلى حال دون حال، ففائدة الآية إخبار منه في أنه دواء كما كثر الشفاء به وصار خليطًا ومعينًا للأدوية في الأشربة والمعاجين، وقد روي عن ابن عمر أنه كان لا يشكو شيئًا إلا تداوى بالعسل، حتى إنه كان يدهن به الدمل والضرحة ويقرأ: (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ). قال القاضي أبو محمد: وهذا يقتضي أنه يرى الشفاء به على العموم. اهـ.

وكذلك القول في ما جاء في شأن الحبة السوداء، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «في الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا السام». قال ابن شهاب: والسام الموت، والحبة السوداء: الشونيز. متفق عليه، والسياق للبخاري.
فقوله صلى الله عليه وسلم (من كل داء) ليس على عمومه الظاهر.
قال ابن القيم: وقوله: "شفاء من كل داء" مثل قوله تعالى: {تدمر كل شيء بأمر ربها} [الأحقاف: 25] أي: كل شيء يقبل التدمير ونظائره، وهي نافعة من جميع الأمراض الباردة، وتدخل في الأمراض الحارة اليابسة بالعرض، فتوصل قوى الأدوية الباردة الرطبة إليها بسرعة تنفيذها إذا أخذ يسيرها. اهـ. من زاد المعاد.
وجاء في فتح الباري: قيل إن قوله (كل داء) تقديره يقبل العلاج بها، فإنها تنفع من الأمراض الباردة، وأما الحارة فلا، وقال الخطابي: قوله: (من كل داء) هو من العام الذي يراد به الخاص؛ لأنه ليس في طبع شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلها، وإنما المراد أنها شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة، وقال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، فإن كان المراد بقوله في العسل فيه شفاء للناس الأكثر الأغلب فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى، وقال غيره: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصف الدواء بحسب ما يشاهده من حال المريض فلعل قوله في الحبة السوداء وافق مرض من مزاجه بارد فيكون معنى قوله (شفاء من كل داء) أي من هذا الجنس الذي وقع القول فيه والتخصيص بالحيثية كثير شائع. اهـ. باختصار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني