الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض أصلا في كتاب الله ولا اختلاف

السؤال

قال تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، وكما تعلمون فالوسع هو ليس التكليف بما فيه مشقة، وقال الله سبحانه: (واصطبر لعبادته) أي حتى إن كان في ذلك مشقة، وقال الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وهذا تكليفنا. فما وجه الجمع بين الآيتين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإنه ليس بين الآية الكريمة: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا، والآيتين الأخريين: وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، تعارض ولا تناقض، بل الحقيقة أنه لا تعارض أصلاً في كتاب الله تعالى ولا اختلاف، قال الله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].

ومعنى قول الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا، أي لا يكلف أحد فوق طاقته، فالوسع هو الطاقة، وهذا من لطف الله تعالى بخلقه، وهو مثل قول الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، وقوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، وقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، والتكليف هو الأمر بما يشقُ. يقال: تكلفت الأمر أي: تجشمته.

وأما قوله تعالى: وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ، فهو أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأتباعه بالصبر على عبادة الله عز وجل.

وأما قول الله تبارك وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، قال المفسرون معناه: لم يخلق الله الإنس والجن إلا ليعرفوه ويقوموا بعبادته وتوحيده وحمده على أنعمه التي لا تحصى.

إذا تأملنا في هذه المعاني نجد أنه لا تعارض بينها ولا اختلاف، بل هي متفقه ومنسجمة تماماً.

وننبه السائل الكريم إلى أن أداء العبادة والقيام بها لا يخلو من مشقة، بل هذا هو شأن الأعمال والحياة كلها، ولكن هذه المشقة إذا كان الشخص يستطيع القيام بالعمل معها بصورة طبيعية، فهي ملغاة وغير معتبرة.

أما إذا كانت المشقة تؤدي إلى هلاك أو تلف، فهي المعتبرة شرعاً، وهي التي قال عنها العلماء: المشقة تجلب التيسير.

وهي التي قال الله تعالى عنها بعد عرض أحكام الصوم: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني