الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مراتب الحكم بغير ما أنزل الله

السؤال

يقول الشيخ ابن العثيمين رحمه الله في شرح الأصول الثلاثة:
"ومن لم يحكم بما أنزل الله ولم يستخف به ولم يحتقره ولم يعتقد أن غيره أحسن منه لنفسه أو نحو ذلك، فهذا ظالم وليس بكافر وتختلف مراتب ظلمه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم.
ومن لم يحكم بما أنزل الله لا استخفافا بحكم الله ولا احتقارا ولا اعتقادا أن غيره أصلح وأنفع للخلق أو مثله، وإنما حكم بغيره محاباة للمحكوم له أو مراعاة لرشوة أو غيرها من عرض الدنيا فهذا فاسق، وليس بكافر وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم.
ما الفرق بين الفقرتين؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيبدو أنه وقع سقط سهوا في الكلام في الفقرة الأولى؛ فالشيخ ـ رحمه الله ـ زاد قيدا آخر في حالة الظلم فقال في القول المفيد: ويكون ظالما: إذا اعتقد أن الحكم بما أنزل الله أحسن الأحكام، وأنه أنفع للعباد والبلاد، وأنه الواجب تطبيقه، ولكن حمله البغض والحقد للمحكوم عليه حتى حكم بغير ما أنزل الله; فهو ظالم. انتهى.
فعلى هذا الفرق بين الحالين أن الأول (الظالم) حمله البغض للمحكوم عليه على الحكم بغير ما أنزل الله فكان ظالما، بينما الأخير (الفاسق)، حملته رشوة أو غيرها على مجاملة المحكوم عليه والحكم له، فكان فاسقا.

على أن من أهل العلم من يسوي بينهما، ويراهما وصفين لموصوف واحد؛ قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ في القول المفيد: واختلف أهل العلم في ذلك:
فقيل: إن هذه الأوصاف لموصوف واحد; لأن الكافر ظالم; لقوله تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، [البقرة: من الآية254]، وفاسق; لقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ}، [السجدة: من الآية20]، أي: كفروا.
وقيل: إنها لموصوفين متعددين، وإنها على حسب الحكم، وهذا هو الراجح.
فيكون كافرا في ثلاثة أحوال:
أـ إذا اعتقد جواز الحكم بغير ما أنزل الله، بدليل قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}، [المائدة: من الآية50]، فكل ما خالف حكم الله; فهو من حكم الجاهلية، بدليل الإجماع القطعي على أنه لا يجوز الحكم بغير ما أنزل الله، فالمحل والمبيح للحكم بغير ما أنزل الله مخالف لإجماع المسلمين القطعي، وهذا كافر مرتد، وذلك كمن اعتقد حل الزنا أو الخمر أو تحريم الخبز أو اللبن.
ب ـ إذا اعتقد أن حكم غير الله مثل حكم الله.
ج ـ إذا اعتقد أن حكم غير الله أحسن من حكم الله. بدليل قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، [المائدة: من الآية50]، فتضمنت الآية أن حكم الله أحسن الأحكام، بدليل قوله تعالى مقررا ذلك: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}، [التين:8]، فإذا كان الله أحسن الحاكمين أحكاما وهو أحكم الحاكمين; فمن ادعى أن حكم غير الله مثل حكم الله أو أحسن فهو كافر لأنه مكذب للقرآن.
ويكون ظالما: إذا اعتقد أن الحكم بما أنزل الله أحسن الأحكام، وأنه أنفع للعباد والبلاد، وأنه الواجب تطبيقه، ولكن حمله البغض والحقد للمحكوم عليه حتى حكم بغير ما أنزل الله; فهو ظالم.
ويكون فاسقا: إذا كان حكمه بغير ما أنزل الله لهوى في نفسه مع اعتقاده أن حكم الله هو الحق، لكن حكم بغيره لهوى في نفسه; أي: محبة لما حكم به لا كراهة لحكم الله ولا ليضر أحدا به، مثل: أن يحكم لشخص لرشوة رشي بها، أو لكونه قريبا أو صديقا، أو يطلب من ورائه حاجة، وما أشبه ذلك مع اعتقاده بأن حكم الله هو الأمثل والواجب اتباعه; فهذا فاسق، وإن كان أيضا ظالما، لكن وصف الفسق في حقه أولى من وصف الظلم. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني