الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجزع يحرم الأجر ولا يفيد في دفع البلاء

السؤال

منذ 10 سنوات كنت مصابًا بمرض نفسيّ مزمن، لكني تعايشت معه، وهو ليس له علاج، ولكن خطر ببالي أن أدعو الله -سبحانه وتعالى- أن يشفيني منه؛ لأني تفاءلت، وأصبحت أصلي قيام الليل، ودائمًا أدعو الله قبل إقامة الصلاة، وفي قيام الليل يوميًّا لمدة 8 أشهر.
ولكن فجأة ازداد المرض شدة عليّ بشكل شديد -نفس المرض المصاب به منذ 10 سنوات وكان بسيطًا، وسهلًا، وكنت أتعايش معه- وأتاني مرض نفسي آخر يختلف عنه، لكني لم أيأس، واستمررت على هذا النحو 5 أشهر أخرى، وتحسنت قليلًا، ولكن ليس كالسابق.
والآن بعدما دخلت السنة الجديدة في الجامعة يئست من هذا، وتركت كل شيء.
سؤالي: لماذا الله -سبحانه وتعالى- زاد عليّ المرض بعد دعائي له؟ أليس المفروض إن كان لا يريد شفائي أن لا يشفيني فقط؟ وقد أصبحت الآن أسخط، وأكلم نفسي، وأقول: يا الله، أنت خذلتني، وزدت عليّ المرض، وحرقت قلبي، فأريد أن أعرف، لماذا فعل الله ذلك؟ أليس المفروض إن كان لا يريد شفائي أن لا يشفيني فقط؟ ولماذا عذبني وزاد عليّ البلاء، والمرض الآخر رغم أني طلبت منه الشفاء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله لك الشفاء، والعافية، ثم اعلم أن الله تعالى حكيم عليم، وأنه لا يظلم أحدًا مثقال ذرة، فإياك والاعتراض على أقضيته، والتسخط على حكمه سبحانه، بل عليك أن تستسلم لما يقدره، ويقضيه، وتصبر نفسك لحكمه سبحانه، عالمًا أن قضاءه للمؤمن لا يكون إلا خيرًا له، فإن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له، ولعل لك عند الله منزلة لا تبلغها بصالح عمل، فشدد عليك البلاء لذلك.

واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، فإنه ما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والصابرون يوفون أجرهم يوم القيامة بغير حساب، كما قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}، وهم مبشرون بصلاة الله، ورحمته، وفوق ذلك هدايته، كما قال تعالى: ... وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {البقرة:155-157}، فلا تحرم نفسك بجزعك، وتسخطك هذه الأجور العظيمة، التي قد لا تحصل لك بغير صبرك على هذا البلاء، فتشديد البلاء عليك لعله من إرادة الله الخير بك، كما ثبت في البخاري، وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يرد الله به خيرًا يصب منه.

واعلم أن الجزع، والتسخط لا ينفعك؛ فإن البلاء ينزل من الله تعالى، فمن رضي فله الرضا، وقدر الله ماض، ومن سخط فله السخط، وقدر الله ماض، والجزع لا يفيد في دفع البلاء، وإنما يفيد في ذلك الصبر، والتجلد، ولا ينافي الصبر، وحصول الأجر الموعود عليه طلب إزالة البلاء بالتداوي، والدعاء، ونحو ذلك من الوسائل، فعليك أن تستمر في التداوي، وأن تلح على الله في المسألة؛ فإنك رابح في دعائك على كل حال، وأحسن ظنك بربك تعالى، واعلم أنه أرحم بك من أمّك التي ولدتك، وأنه لا يقدر لك إلا ما فيه مصلحتك؛ لأن أفعاله كلها جارية على مقتضى الحكمة سبحانه وبحمده.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني