الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من يؤول بعض الصفات مع عدم إنكارها

السؤال

يقول قائل: ما هي الإشكالية في حال تأويل أو عدم تأويل بعض الصفات مع عدم إنكارها؟ مثل صفة النزول؛ ماذا يضر إن اعتقدنا أن الله -عز وجل- ينزل إلى السماء الدنيا نزولًا يليق بجلاله، أو ينزل ملك بأمره، أو تنزل رحمته، وكلها سواء في المعنى المطلوب اعتباره، فالغاية هي أن نجتهد في الاستغفار والدعاء والعبادة في شطر الليل الآخر لتنزل الرحمات، ولم نكلف بالخوض في مثل هذه الأمور.
ويقول: على ماذا الخلف بينكم؟
فما تقولون -وشكرًا-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الإشكالية في القول بأنه تنزل رحمته أو ينزل ملك بأمره هي: العدول عن ظاهر النص بغير دليل، وفي هذا تحريف لمعنى كلام الشارع من غير بينة؛ فينبغي لمن يريد السلامة وعدم الخوض فيما لم يكلف به أن يتبع السلف في فهمهم واعتقادهم، وأن يحرص على تصديق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما أخبر به من صفات الله تعالى؛ لأنه هو أعلم الخلق بالله، وهو الصادق المصدوق، فقد قال الله تعالى في وصف حال نبيه -صلى الله عليه وسلم-: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {النجم:3-4}.

وقد جرى عمل السلف وجمهور أهل العلم من المحدثين بإثبات ما أثبتته نصوص الوحي مصدقين الله ورسوله وفاهمين كلامهما حسبما يفهمه العرب الذين نزل القرآن فيهم، نافين للتشبيه، معتمدين في الإثبات للصفات على النصوص الثابتة فيها، وفي نفي التشبيه على قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى:11}، فقد نفى التشبيه في أول الآية وأثبت بعض الصفات في نهايتها، وما يقال في صفة السمع والبصر من الإثبات مع نفي التشبيه يقال في جميع الصفات كالنزول وغيره فقد قال المقدسي في إثبات صفة العلو :

قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان، ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء، وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء. اهـ

وقال ابن تيمية: القَوْل الشَّامِل فِي جَمِيع هَذَا الْبَاب أَن يُوصف الله بِمَا وصف بِهِ نَفسه، أَو وَصفه بِهِ رَسُوله، وَبِمَا وَصفه السَّابِقُونَ الْأَولونَ، لَا نتجاوز الْقُرْآن، والْحَدِيث. وَمذهب السّلف أَنهم يصفونَ الله بِمَا وصف بِهِ نَفسه، وَبِمَا وَصفه بِهِ رَسُوله من غير تَحْرِيف، وَلَا تَعْطِيل، وَمن غير تكييف وَلَا تَمْثِيل. اهـ.

وقال: إن جميع ما في القرآن من آيات الصفات، فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها. وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة، وما رووه من الحديث، ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار، والصغار أكثر من مائة تفسير، فلم أجد - إلى ساعتي هذه - عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئا من آيات الصفات، أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف؛ بل عنهم من تقرير ذلك وتثبيته، وبيان أن ذلك من صفات الله ما يخالف كلام المتأولين ما لا يحصيه إلا الله. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني