الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تعدد الجمعة في البلد الواحد

السؤال

في كثير من أمصار الإسلام تزيد الجوامع عن قدر الحاجة، سواء في الدول المسلمة أو غيرها، فهل نعمل بما قاله أكثر المذاهب من وجوب إعادة الصلاة بعد الجمعة أو نخرج عن كلام أئمة الإسلام الأوائل؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل أنه لا يجوز تعدد الجُمَعٍ في البلد الواحد إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة، كبعد المسافة أو ضيق المسجد، أو خوف فتنة أونحو ذلك مما يسوّغ للمصلين إقامة جمعتين أو أكثر، فإن تعددت الجمعة لغير حاجة فاختلف في أيهم الصحيحة قال ابن قدامة في المغني: فإن صلوا جمعتين في مصر واحد من غير حاجة, وإحداهما جمعة الإمام, فهي صحيحة تقدمت أو تأخرت, والأخرى باطلة, لأن في الحكم ببطلان جمعة الإمام افتياتا عليه, وتفويتا له الجمعة ولمن يصلي معه ويفضي إلى أنه متى شاء أربعون أن يفسدوا صلاة أهل البلد أمكنهم ذلك, بأن يجتمعوا في موضع, ويسبقوا أهل البلد بصلاة الجمعة، وقيل: السابقة هي الصحيحة, لأنها لم يتقدمها ما يفسدها, ولا تفسد بعد صحتها بما بعدها، والأول أصح, لما ذكرنا، وإن كانت إحداهما في المسجد الجامع والأخرى في مكان صغير لا يسع المصلين, أو لا يمكنهم الصلاة فيه، لاختصاص السلطان وجنده به, أو غير ذلك, أو كان أحدهما في قصبة البلد, والآخر في أقصى المدينة, كان من وجدت فيه هذه المعاني صلاتهم صحيحة دون الأخرى، وهذا قول مالك، فإنه قال: لا أرى الجمعة إلا لأهل القصبة، وذلك لأن لهذه المعاني مزية تقتضي التقديم, فقدم بها, كجمعة الإمام، ويحتمل أن تصح السابقة منهما دون الأخرى, لأن إذن الإمام آكد, ولذلك اشترط في إحدى الروايتين، وإن لم يكن لإحداهما مزية, لكونهما جميعا مأذونا فيهما, أو غير مأذون في واحدة منهما, وتساوى المكانان في إمكان إقامة الجمعة في كل واحد منهما, فالسابقة هي الصحيحة.. اهـ.

ويعلم من هذا أن من لم تصح جمعتهم تجب عليهم إعادتها ظهرا، لكن هذا كله على فرض عدم وجود الحاجة لتعدد الجمعة، وأما مع وجود الحاجة لذلك كما هو الحال في أغلب الأمصار اليوم، فإن الجمعة صحيحة في عامة الجوامع إن شاء الله ولا داعي لإعادتها، قال في المغني: وإذا كان البلد كبيرا يحتاج إلى جوامع, فصلاة الجمعة في جميعها جائزة وجملته أن البلد متى كان كبيرا, يشق على أهله الاجتماع في مسجد واحد, ويتعذر ذلك لتباعد أقطاره, أو ضيق مسجده عن أهله, كبغداد وأصبهان ونحوهما من الأمصار الكبار, جازت إقامة الجماعة فيما يحتاج إليه من جوامعها. اهـ.

وقال النووي في المجموع: قال أصحابنا: فعلى هذا تجوز الزيادة على جمعة في جميع البلاد التي تكثر الناس فيها ويعسر اجتماعهم في موضع، وهذا الوجه هو الصحيح, وبه قال أبو العباس بن سريج وأبو إسحاق المروزي، قال الرافعي: واختاره أكثر أصحابنا تصريحا وتعريضا, وممن رجحه ابن كج والحناطي بالحاء المهملة, والقاضي أبو الطيب في كتابه المجرد والروياني والغزالي وآخرون, قال الماوردي: وهو اختيار المزني، ودليله قوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج. اهـ.

ويقول الشيخ إبراهيم بن صالح الخضري في كتابه أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية: وأما للضرورة والحاجة: فإن الإسلام دين يسر، ولا مشقة فيه، وجمع الخلائق بمكان واحد ـ مع كثرتهم الشديدة وضيق الأمكنة ـ فيه مشقة شديدة عليهم وعلى هذا سار المسلمون اليوم، إذ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم المنع من إقامتها، وقول ابن عمر مختلف فيه، لأن الصحابة كانوا يصلون في المساجد الجامعة في القرى وليس فيها الإمام الأعظم، فلا حجة فيه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني