الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توضيحات في مسألة المشيئة والتسيير والتخيير

السؤال

كما علمت أن الإنسان مسير في أمور ومخير في أمور، سؤالي:
1ـ هل كلا من التسيير والتخيير يسميان قدرا أم أن التسيير فقط هو القدر والتخيير هو التكليف؟.
2ـ أن نتائج التسيير والتخيير سبق في علم الله وكتبه في اللوح المحفوظ، صحيح؟ هذا ما نعنيه أن كل شيء مكتوب.
3ـ كيف تكون مشيئة الإنسان مربوطة بمشيئة الله تعالى؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فاعلم ابتداء أن كلمة (الإنسان مخير أو مسير) محدثة، ولم توجد في كلام الأولين من السلف الصالح كما قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ: هذه العبارة لم أرها في كتب المتقدمين من السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولا في كلام الأئمة، ولا في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، أو ابن القيم أو غيرهم ممن يتكلمون، لكن حدثت هذه أخيرا، وبدأوا يطنطنون بها "هل الإنسان مسير أم مخير؟". اهـ .
وقد بينا في فتاوى سابقة أنه مسير مخير، مسير باعتبار أنه لن يقع منه إلا ما كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ أنه سيفعله؛ لأن كتابة الله تعالى كتابة علم وإحاطة، ومخير باعتبار أن الله تعالى أعطاه قدرة واختيار يفعل بها ما يشاء ولم يجبره، وانظر الفتوى رقم: 116611.
ولا شك أن كلا من الأمرين، ما كُتِبَ في اللوح المحفوظ وشاءه الله وأوجده، وما فعله الإنسان باختياره وقدرته، كلاهما قدرٌ قدره الله تعالى، ولا يُقال إن التسيير هو القدر فقط، بل ما فعله الإنسان باختياره إنما فَعَلَهُ بقدر الله تعالى أي أن الله تعالى كتبه وشاءه وخلقه وأوجده، فلا يخرج شيء عن قدر الله تعالى.
وأما كيف تكون مشيئة الإنسان مرتبطة بمشيئة الله فهذا يبينه قوله تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ {التكوير:29}، قال الشيخ ابن عثيمين في تفسيرها: ما نشاء شيئاً إلا بعد أن يكون الله قد شاءه، فإذا شئنا الشيء علمنا أن الله قد شاءه، ولولا أن الله شاءه ما شئناه، كما قال تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا} [البقرة: 253] فنحن إذا عملنا الشيء نعمله بمشيئتنا واختيارنا، ولكن نعلم أن هذه المشيئة والاختيار كانت بعد مشيئة الله عز وجل، ولو شاء الله ما فعلنا. اهــــ .
وقال أيضا في بيانها: يعني لا يمكن أن تشاؤوا شيئاً إلا وقد شاءه الله من قبل، فمشيئة الإنسان ما كانت إلا بعد مشيئة الله عز جل، لو شاء الله لم يشأ، ولو شاء الله أن لا يكون الشيء ما كان ولو شئته. حتى لو شئت والله تعالى لم يشأ فإنه لن يكون، بل يقيض الله تعالى أسباباً تحول بينك وبينه حتى لا يقع، وهذه مسألة يجب على الإنسان أن ينتبه لها، أن يعلم أن فعله بمشيئته مشيئة تامة بلا إكراه، لكن هذه المشيئة مقترنة بمشيئة الله، يعلم أنه ما شاء الشيء إلا بعد أن شاء الله، وأن الله لو شاء ألا يكون لم يشأه الإنسان، أو شاءه الإنسان ولكن يحول الله بينه وبينه بأسباب وموانع. اهــــ .

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني