الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الشورى بين الوجوب والندب

السؤال

ما حكم الأخذ بقول: إن الشورى ملزمة غير معلمة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فمن المعلوم أن للعلماء قولين في وجوب الشورى؛ فمنهم من يرى وجوبها، ومنهم من يرى ندبها.

جاء في الموسوعة الفقهية: لِلْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ الشُّورَى -مِنْ حَيْثُ هِيَ- رَأْيَانِ:

الأْوَّل: الْوُجُوبُ؛ وَيُنْسَبُ هَذَا الْقَوْل لِلنَّوَوِيِّ، وَابْنِ عَطِيَّةَ، وَابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ، وَالرَّازِيِّ. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأْمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، وَظَاهِرُ الأْمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ} يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَالأْمْرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُشَاوَرَةِ، أَمْرٌ لأِمَّتِهِ لِتَقْتَدِيَ بِهِ، وَلاَ تَرَاهَا مَنْقَصَةً، كَمَا مَدَحَهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}.

قَال ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: وَاجِبٌ عَلَى الْوُلاَةِ مُشَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا لاَ يَعْلَمُونَ، وَمَا أَشْكَل عَلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَوُجُوهِ الْجَيْشِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَرْبِ، وَوُجُوهِ النَّاسِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَصَالِحِ، وَوُجُوهِ الْكُتَّابِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْعُمَّال، فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْبِلاَدِ وَعِمَارَتِهَا.

قَال ابْنُ عَطِيَّةَ: "وَالشُّورَى مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، وَعَزَائِمِ الأْحْكَامِ، وَمَنْ لاَ يَسْتَشِيرُ أَهْل الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَعَزْلُهُ وَاجِبٌ، وَهَذَا مِمَّا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ ....

الثَّانِي: النَّدْبُ؛ وَيُنْسَبُ هَذَا الْقَوْل لِقَتَادَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالرَّبِيعِ. وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشَاوِرَ أَصْحَابَهُ فِي مَكَائِدِ الْحُرُوبِ، وَعِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، هُوَ تَطْيِيبٌ لِنُفُوسِهِمْ، وَرَفْعٌ لأِقْدَارِهِمْ، وَتَأَلُّفُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ -وَإِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَغْنَاهُ عَنْ رَأْيِهِمْ بِوَحْيِهِ. اهـ.

والقول بالوجوب أقوى من حيث الأدلة، وهو المناسب لمثل زماننا، ولذلك جنح إليه كثير من العلماء والمفكرين المعاصرين؛ قال الدكتور/ وهبة الزحيلي -رحمه الله- في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته: (ورأيي هو القول بوجوب الشورى على كل حاكم، وضرورتها له، وإلزامه بنتيجتها، كما قرر المفسرون؛ لتسير الأمور على وفق الحكمة والمصلحة، ومنعًا من الاستبداد بالرأي؛ لأن حكم الإسلام يقوم على أصل الشورى، وبه تميَّز، وعلى نهجه سار السلف الصالح، وذلك ما لم يستطع الحاكم إقناع أهل الشورى بأفضلية رأيه، كما فعل أبو بكر الذي ما فتئ يوضح رأيه في شأن حرب المرتدين وجمع القرآن، حتى شرح الله صدورهم له، كما قال عمر -رضي الله عنه-).

وأخطر ما تصاب به عملية الشورى هو أن يخالف الأمير أو القائد ما اتُفق عليه في مجلس التشاور، وبخاصة إذا تكرر منه هذا الموقف؛ لأن من شأن ذلك أن يزعزع الثقة به، وأن تَضعُفَ صلته بالعاملين معه، مما يهدد العمل بالتشتت والتفرق، وبالتالي بالانهيار والفشل.

ومن هنا كان من الواجب على دعاة الإسلام والعاملين في سبيله أن يتنبهوا إلى أهمية الشورى، وإلى ضرورة التزام نتائجها، وأن تكون ركنًا أصيلًا من أركان أعمالهم. انتهى.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني