الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى صحة حديث: (لم ير للمتحابين مثل النكاح) ومعناه

السؤال

أشكركم على ردكم على سؤالي بالفتوى رقم: 2594273، وقد وجدت وأنا أبحث في الأحاديث التي تتعلق بالنكاح أنه ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لم ير للمتحابين مثل النكاح}. وقد وجدته في صحيح ابن ماجه وفي السلسلة الصحيحة لفضيلة الشيخ الألباني رحمهم الله، وقد سمعت مقطعاً صوتياً لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله حيث قال فيه إنه حديث ضعيف، ثم إني قرأت في فتواكم الفاضلة رقم: 19826، بأن الراجح هو جواز العمل بالحديث الضعيف إذا توفرت فيه عدة شروط.
والسؤال هنا لو افترضنا أنه حديث ضعيف، هل يمكن الأخذ به؟ بمعنى آخر، هل تتحقق فيه الشروط الأربعة اللازمة للأخذ بالحديث الضعيف؟
وبشكل عام، ما هو موقف الأمة (علماء أو غيرهم) من الحديث الذي اختلف فيه العلماء فمنهم من قال إنه صحيح ومنهم من قال إنه ضعيف؟
وهل تنصحوني بالأخذ بهذا الحديث عند زيارتي لأبي الفتاة التي أحببتها؟
وشكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا الحديث صححه الشيخ الألباني في العديد من كتبه، ومنها صحيح سنن ابن ماجه، وصحيح الجامع، وتتبع مجموع طرقه في السلسلة الصحيحة، وذكر الشيخ ابن عثيمين في لقاء الباب المفتوح أنه قد ضُعِف. وبخصوص موقف المسلم من اختلاف العلماء في تصحيح حديث أو تضعيفه راجع الفتوى رقم: 259063.

وعلى فرض كونه ضعيفا فمعناه صحيح، وواقع الناس العمل به، ولذا قال الشيخ ابن عثيمين بعد أن أشار إلى ضعفه: لكنه من الناحية الطبيعية أنه إذا قُدر أن يكون بين الرجل وبين امرأة من الناس محبة؛ فإن أكبر ما يدفع الفتنة والفاحشة أن يتزوجها؛ لأنه سوف يبقى قلبه معلقاً بها إن لم يتزوجها، وكذلك هي، فربما تحصل فتنة، قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلق فاضل وذات علم فيرغب أن يتزوجها، وكذلك هي تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلق فاضل وعلم ودين فترغبه، لكن التواصل بين المتحابين على غير الوجه الشرعي هذا هو البلاء، وهو قطع الأعناق وقصم الظهور، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل. ويقول: إنه يرغب في زواجها خوفاً من الفتنة، وإلا فالأصل أنه لو حصل أن المرأة تخبر وليها أنها تريد فلاناً مثلاً فيتصل به كما فعل عمر ـ رضي الله عنه ـ حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعلى عثمان رضي الله عنه، وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل فهذا محل الفتنة. اهـ. وهذا المحذور الذي ذكره والمتعلق بتجاوز حدود الله تعالى بين المتحابين مما ينبغي التنبه له.

وهذا الحديث لايدخل في أحاديث فضائل الأعمال بالمعنى الذي ذكره العلماء، إذ المقصود بها أحاديث الترغيب والترهيب، والتي رتب الشرع عليها ثوابا أو عقابا، وراجع الفتوى رقم: 235555، وهذا الحديث معناه كما قال المناوي في فيض القدير: أي إذا نظر رجل لأجنبية وأخذت بمجامع قلبه فنكاحها يورثه مزيد المحبة كذا ذكره الطيبي، وأفصح منه قول بعض الأكابر المراد أن أعظم الأدوية التي يعالج بها العشق النكاح فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره ما وجد إليه سبيلا، وهذا هو المعنى الذي أشار إليه سبحانه عقب إحلال النساء حرائرهن وإمائهن عند الحاجة بقوله: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) فذكر تخفيفه سبحانه في هذا الموضع وإخباره عن ضعف الإنسان يدل على ضعفه عن احتمال هذه الشهوة، وأنه سبحانه خفف عنه أمرها بما أباحه له من أطايب النساء، وبهذا التقدير استبان أن حمل الدميري الخبر على ما إذا قصد خطبة امرأة ورآها وأحبها تسن المبادرة بتزويجها هلهل بالمرة... اهـ.
وأخذك هذا الحديث معك عند الكلام إلى ولي الفتاة إن كنت تقصد به الذهاب إليه عملا بهذا الحديث فلا بأس بذلك، وإن كنت تقصد أن تذكره له فقد لا يستحسن في بعض المجتمعات الإخبار عن حب الفتاة، بل قد يؤدي إلى عكس المقصود بأن يرفض ولي الفتاة تزويجها لمن جاء يخطبها وأخبر أنه يحبها، فتنبه لهذا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني