الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل لف المرأة خمارها أكثر من لفة فيه تشبه بعمائم الرجال؟

السؤال

هل يجوز أن تلوي المسلمة طرحتها: ليَّتَين، أو أكثر (يعنى: تلفها مرتين، أو أكثر) على رأسها، وما تحت الحنك (الذقن) أم يحرم؛ لأن فيه تشبها بعمائم الرجال: كما قال أبو داود؛ لحديث أم سلمة -رضى الله عنها- أن النبىَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا، وَهِىَ تَخْتَمِرُ (يعنى: تلبس الخمار) فقال ((لَيَّةً، لاَ لَيَّتَيْنِ)) الحاكم (جزء4/ ص194)، حديث رقم(7417) وصححه، وأقره الذهبي.
ويجب عليها: أن تكتفي بليِّ الطرحة لية واحدة (يعنى: لفها لفة واحدة).

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالحديث المذكور مختلف في ثبوته، فمن أهل العلم من ضعفه، كابن القطان في أحكام النظر؛ لأن في إسناده وهبا، وهو لا يعرف، وانظر أيضا الفتوى رقم: 22444.

ومنهم من صححه، أو حسنه، كأبي داود حيث سكت عنه، وما سكت عنه فهو صالح للاحتجاج عنده، وإن كان لا يلزم أن يكون صالحا عند غيره، وكذلك سكت عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في هداية الرواة، إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة، وقد ذكر في مقدمته أن ما سكت عن بيانه، فهو حسن.
وعلى اعتبار ثبوت الحديث، فقد علله أهل العلم بكونه تشبها بالرجال، ومنهم من علله بغير ذلك.

قال أبو داود: معنى قوله: «لية لا ليتين»، يقول: لا تعتم مثل الرجل، لا تكرره طاقا أو طاقين. اهـ.

وفي شرح السنة للبغوي: قال الإمام: وإنما كره لها أن تزيد على لية، حتى لا تتشبه بالمتعمم من الرجال. اهـ.
وقال الشوكاني: أمرها أن تلوي خمارها على رأسها، وتديره مرة واحدة لا مرتين؛ لئلا يشبه اختمارها تدوير عمائم الرجال إذا اعتموا، فيكون ذلك من التشبه المحرم. اهـ.

وجاء في عون المعبود: أَمَرَهَا أَنْ تَلْوِي خِمَارهَا عَلَى رَأْسهَا وَتُدِير مَرَّة وَاحِدَة لَا مَرَّتَيْنِ لِئَلَّا يُشْبِه اِخْتِمَارهَا تَدْوِير عَمَائِم الرِّجَال إِذَا اِعْتَمُّوا فَيَكُون ذَلِكَ مِنْ التَّشَبُّهِ الْمُحَرَّم, كَذَا فِي النِّهَايَة وَغَيْره. وَقَالَ الْقَاضِي: أَمَرَهَا بِأَنْ تَجْعَل الْخِمَار عَلَى رَأْسهَا وَتَحْت حَنَكهَا عَطْفَة وَاحِدَة لَا عَطْفَتَيْنِ، حَذَرًا عَنْ الْإِسْرَاف أَوْ التَّشَبُّه بِالْمُتَعَمِّمِينَ. اِنْتَهَى ...

وَالْمَعْنَى لَا تُكَرِّر اللَّيَّ، بَلْ تَقْتَصِر عَلَى اللَّيّ مَرَّة وَاحِدَة, تَكْرَار اللَّيّ إِنَّمَا يَحْصُل بِفِعْلِهِ مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ تَكْرَار الشَّيْء هُوَ فِعْله مَرَّة بَعْد أُخْرَى, فَإِنْ فَعَلَ أَحَد شَيْئًا مَرَّة فَقَطْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَكْرَارًا. نَعَمْ إِنْ فَعَلَهُ مَرَّتَيْنِ، أَيْ مَرَّة بَعْد أُخْرَى، كَانَ ذَلِكَ تَكْرَارًا وَاحِدًا, وَإِنْ فَعَلَهُ ثَلَاث مِرَار، كَانَ ذَلِكَ تَكْرَارَيْنِ, وَإِنْ فَعَلَهُ أَرْبَع مَرَّات، كَانَ ذَلِكَ ثَلَاث تَكْرَارَات وَهَكَذَا, فَإِذَا فَعَلَ اللَّيّ مَرَّة وَاحِدَة، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَكْرَارًا لَهُ وَكَانَ هَذَا جَائِزًا, وَإِذَا فَعَلَ مَرَّتَيْنِ، كَانَ ذَلِكَ تَكْرَارًا لَهُ وَاحِدًا وَلَمْ يَكُنْ هَذَا جَائِز, وَكَذَلِكَ إِنْ فَعَلَ ثَلَاث مِرَار أَوْ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ. اهـ.
ومعلوم أن الحكم يدور مع علته ثبوتا وعدما، ومعيار التشبه في اللباس وغيره، مما قد يختلف باختلاف المكان والزمان.
قال العيني في عمدة القارئ: وهيئة اللباس قد تختلف باختلاف عادة كل بلد، فربما قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم، لكن تمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار. اهـ.

وفي حاشية الجمل: فلو اختصت النساء، أو غلب فيهن زي مخصوص في إقليم، وغلب في غيره تخصيص الرجال بذلك الزي، كما قيل إن نساء قرى الشام، يتزين بزي الرجال الذين يتعاطون الحصاد والزراعة، ويفعلن ذلك، فهل يثبت في كل إقليم ما جرت عادة أهله به، أو ينظر لأكثر البلاد؟

فيه نظر، والأقرب الأول.

ثم رأيت في حج (ابن حجر الهيتمي ) نقلا عن الإسنوي، ما يصرح به، وعبارته: وما أفاده؛ أي: الإسنوي، من أن العبرة في لباس وزي كل من النوعين -حتى يحرم التشبه بهن فيه- بعرف كل ناحية، حسن. اهـ.

وعلى هذا، فمدار المنع على مدى مشابهة لَيِّ النساء خمرهن، لِلَيِّ الرجال عمائمهم، فحيث كان لي العمائم ونحوها ليتين، أو أكثر مما لا يختص به الرجال، فلا حرج على النساء في لي خمرهن أكثر من لية، والعكس بالعكس.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني