الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم غيرة طالب العلم من أصدقائه ومحبته ألا يرتفع عليه أحد

السؤال

مملت من هذا المرض القلبي الذي معي، حيث أغار من بعض الناس الذين يكونون أفقه مني وأكثر إيمانا، عرفت شخصا قبل زمن حفظ القرآن منذ الصغر، وكان يتفقه في الدين منذ زمن بعيد، وقد هداني الله لحفظ القرآن والالتزام وتعلم الفقه والعلوم الشرعية، وأنصح إخواني كثيرا وأصدقائي، وأنشر هذا الفقه على قدر المستطاع، وعندي مشكلة الغيرة، فإذا نصحت إخوتي وأصدقائي وأحسست أنهم سيصبحون مثلي أتوقف هنا، وفي بعض المرات أحب الشخص أن يعمل المعصية ـ والعياذ بالله ـ أحب أن يكون الناس متدينين وتبتعدون عن المعاصي ويتبعون منهج السلف، لكن إن أحسست أنهم سيصيرون قريبا مني أقف هنا، فما هو الخلاص من هذا؟ وقد يصل بي الأمر إلى كره الأشخاص، فما هو الحل؟ وما هي أسباب هذه الحالة الغريبة؟ وهل كان السلف يفعلون مثل هذا الفعل القبيح؟. وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا الشعور المذموم الذي يتنزه عنه خيار عباد الله إنما يلقيه الشيطان في قلبك ويحملك عليه ليزهدك في تعليم الناس ودعوتهم إلى الله تعالى، وعلاج هذا الشعور هو أن تعلم أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، وأن تعلم أنك لو أطعت الله ما أطعته، وبقيت فيك تلك النقيصة وهي كراهة الخير للمسلمين فقد تحبط هذه المعصية كثيرا من طاعاتك، وتعرض نفسك للخسارة ومحق بركة الطاعات، والعلاج أن تستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم المتفق عليه: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

فجاهد نفسك على حب الخير للمسلمين جميعا مستحضرا أن هذا طاعة لله ربما تكون أفضل من كثير من طاعات البدن، والعلم الحقيقي هو العلم النافع الذي يصلح به الإنسان قلبه ويقترب به من ربه تعالى، فهو يحب أن يطيع العباد جميعهم ربه تبارك وتعالى، وأما هذه الغيرة المذمومة فيتنزه عنها الصالحون من عباد الله، لأنهم يحبون ما أحبه الله ورسوله والله يحب أن يطاع ويعبد وحده لا شريك له، فهذا المرض القلبي من الحسد المذموم الواجب عليك أن تبادر بمجاهدة نفسك للتخلص منه، قال شيخ الإسلام رحمه الله: الْغيرَة على الله جهل وَهِي كَمَا قدمْنَاهُ حسد وَكبر يسمونه غَيرة فيحب أحدهم أن لَا يشركهُ غَيره فِي التَّقَرُّب إلى الله وابتغاء الْوَسِيلَة إليه، ويريدون أن يسموا ذَلِك باسم حسن لِئَلَّا يذموا عَلَيْهِ ويسمونه غيرَة، لَأن من عَادَة الْبشر إذا أحب أحدهم إنسانا محبَّة طبيعية سَوَاء كَانَت محبتة مُحرمَة أَو غير مُحرمَة أَنه ببشريته يغار من أن يُشَارِكهُ فِي ذَلِك أحْدُ فَجعلُوا محبتهم لله بِمَنْزِلَة هَذِه الْمحبَّة، وَهَذَا من أعظم الْجَهْل وَالظُّلم، بل محبَّة الله من شَأْنهَا أن يحب العَبْد أن جَمِيع الْمَخْلُوقَات يشركونه فِي ذَلِك، كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نفس بِيَدِهِ لَا يُؤمن أحدكم حَتَّى يحب لأخيه من الْخَيْر مَا يُحِبهُ لنَفسِهِ... انتهى.

والحاصل أن عليك أن تجاهد نفسك لدفع تلك الغيرة المذمومة، وكلما قويت محبة الله في قلبك أحببت ما يحبه، فأحببت أن يطيع العباد جميعهم ربهم تبارك وتعالى، ثم إنك تنافسهم في الخير، فليس الحل أن تمنعهم التعلم أو تغار من أن يتعبدوا لله، بل الحل في أن تنافسهم وتسعى لأن يزيد حظك من العلم والعبادة على حظهم مع حبك لهم الزيادة في الخير والاستكثار منه، كما قال تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ {المطففين:26}.

ثم اعلم أنك كلما علمت أحدا خيرا أو دعوته إلى فضيلة فعمل بها فكل ما يعمله من ذلك الخير يكون في ميزان حسناتك أنت أيضا، فإن الدال على الخير كفاعله، ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، فأقبل على ربك وتزود من الخير ونافس في الطاعة وأحب الخير للخلق وادع إلى الله بلا كلل ولا فتور واطرح هذه الأفكار الشيطانية عنك وجاهد نفسك للتخلص منها مستعينا بالله تعالى واثقا أنك ستبلغ من ذلك غايتك مصداق قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا {العنكبوت:69}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني