الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الكفارة تجب على الحانث من ماله ولا يشترط ملك نصاب الزكاة

السؤال

حلف أخي على أمي ألا يخبرها أي خبر يأتيها من شخص معين، وأمي تريد أن تعرف الأخبار، وهو الآن حالف، وقد قرأت في فتاويكم أنه يجب تقديم بر الوالدين، وعليه أن يحنث، ويدفع كفارة اليمين، وأسئلتي هي:
هو الآن يقول: لا أريد أن أحنث، وأريد أن أبقى على الحلف، والحلف يمكن أن يستمر أيامًا، أو أسابيع، فهل يأثم لأنه يعرض نفسه لغضب أمي؟ وهو معه أكثر 600 ريال تقريبًا، ويقول: أنا غير مستعد أن أدفع كفارة يمين من نقودي القليلة، فقالت له أمي: إذا بلغت نصاب الزكاة، فيجب عليك أن تدفع، لكنك الآن لا يجب عليك أن تدفع، ولو كانت معك نقود، ولا أدري من أين لأمي بهذه المعلومة، فهل هذا صحيح؟ وماذا لو كان الشخص لا يملك من النقود إلا ما يكفيه لقوت نفسه، أو عياله، أو كانت النقود لشيء معين -كجوال، أو سيارة-فهل يجب عليه دفع الكفارة؟ ومتى يجب على الشخص أن يدفع الكفارة؟ وهل يجوز للشخص أن يستعمل التورية في هذا، فيقول مثلا: هذا الخبر لي، أو لأبي، وأنقله إلى أمي؛ لأنه لا يريد أن يتكلم مع أمي، وحتى لا يغضبها أيضًا، أم إن هذا تحايل على الله عز وجل؛ لأن أخي سيفعل ذلك؟ وهل يجوز لأمي أن تدفع عنه كفارة اليمين، أم إن كفارة اليمين على أخي، ويجب أن يخرجها هو؟
أريد أجوبة سريعة، مع أقوال العلماء؛ لأقنع أخي -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دام أخوك لا يأثم، ولا يقع عليه ضرر إذا أخبر أمه بما تريد أن تعرفه من أخبار، فيجب عليه أن يخبرها إذا طلبت منه ذلك، وأصرت عليه، وإلا أثم.

وأما حلفه، فإنه يكفر عنه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 290896.

والكفارة تجب على الحانث من ماله، وهي على الترتيب، فلا يجزئ الصوم لمن يجد قيمة الإطعام، أو الكسوة.

ولا يشترط في ذلك ملك نصاب الزكاة، بل المعتبر أن يكون مع الحانث ما يزيد على حاجاته الأصلية من المطعم، والملبس، والمسكن ونحو ذلك، قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: المراد بالعجز أن لا يقدر على المال الذي يصرفه في الكفارة، كمن يجد كفايته، وكفاية من تلزمه مؤنته فقط، ولا يجد ما يفضل عن ذلك. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: الكفارة إنما تجب فيما يفضل عن حاجته الأصلية، والسكنى من الحوائج الأصلية، وكذلك الدابة التي يحتاج إلى ركوبها ... إن كان في شيء من ذلك فضل عن حاجته، مثل من له دار كبيرة تساوي أكثر من دار مثله، ودابة فوق دابة مثله .. يمكن أن يحصل به قدر ما يحتاج إليه، وتفضل فضلة يكفر بها، فإنه يباع منه الفاضل عن كفايته، أو يباع الجميع، ويبتاع له قدر ما يحتاج إليه، ويكفر بالباقي ... ومن له عقار يحتاج إلى أجرته لمؤنته، أو حوائجه الأصلية، أو بضاعة يختل ربحها المحتاج إليه بالتكفير منها، أو سائمة يحتاج إلى نمائها حاجة أصلية، أو أثاث يحتاج إليه، وأشباه هذا، فله التكفير بالصيام؛ لأن ذلك مستغرق لحاجته الأصلية، فأشبه المعدم. اهـ.

وعلى ذلك؛ فمن يملك مبلغ 600 ريال، ولا يرصدها لحاجة من حاجاته الأصلية، فإنه يجب عليه الإطعام، أو الكسوة لعشرة مساكين.

وأما نقل أخيك هذه الأخبار لك، أو لوالدك؛ ليقوم أحدكما بإخبار الوالدة، فوقوع الحنث بمثل هذا يكون بحسب نية الحالف أثناء حلفه، فإن كان يقصد الامتناع عن مباشرة الإخبار بنفسه، ولم يقصد غيره، فإنه لا يحنث بذلك.

وأما إن أراد الامتناع عن إخبارها بنفسه، وبغيره، أو الامتناع عن التسبب في معرفتها لهذا الخبر، فإنه يحنث بذلك؛ لأن المرجع في الأيمان إلى النية، فهي تخصص اللفظ العام، وتقيد المطلق، وراجع في ذلك الفتويين: 35891، 110209.

وأما إخراج والدتك لكفارة هذا اليمين، فلا بأس بذلك إذا كان ذلك بإذن أخيك الحانث، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 281077.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني