الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التأوه عند الألم جائز وتركه أولى

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيراً على هذا الموقع وبعد:
فهل يجوز قول آه آه أو ياي ياي للتعبير عن الألم وماذا على من يقول ياي عند سقوطه؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن كان قول المريض (آه) ونحوها من العبارات الدالة على التوجع لمجرد التعبير عن الألم من غير تسخط على القدر، أو جزع زائد، فلا حرج فيه ولا كراهة، لأن عدم تحمل الألم الزائد شيء جبلي، وقد ثبت عن عدد من الصحابة التعبير عن الألم: كقول أبي بكر : إني وجع، وقول عائشة وا رأساه، بل وقول أيوب عليه السلام شاكيا: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83] وبذلك بوب الإمام البخاري في صحيحه (باب قول المريض: إني وجع، أو وا رأساه، أو: اشتد بي الوجع، وقول أيوب عليه السلام أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83] هذا وقد كره جماعة من العلماء التأوه والشكوى التي على سبيل الإخبار وإن لم يكن فيها تسخط، ويروى أن الأثرم دخل على الإمام أحمد في مرض موته وهو يئن، فقال له: بلغنا أن كل شيء يكتب حتى الأنين، فكف عنه الإمام، وكرهه أيضا جماعة من الشافعية، ولكن رد ذلك غير واحد من أئمتهم كالحافظ بن حجر والإمام النووي الذي يقول في ذلك: هذا ضعيف أو باطل، فإن المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود، وهذا لم يثبت فيه ذلك. ثم احتج بحديث عائشة في الباب، وهو الحديث الذي رواه الإمام أحمد والدارمي وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: رجع إلي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم من جنازة من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا وأنا أقول: وا رأساه، قال: بل أنا يا عائشة وا رأساه. وقال النووي: ولعلهم أرادوا بالكراهة خلاف الأولى، فإنه لا شك أن اشتغاله بالذكر أولى انتهى. فيكمن حمل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة بل أنا يا عائشة وا رأساه. على أنه قاله تسلية لها، أو إخبارا بأن به مثل الذي بها، ولم يقل ذلك تشكيا، لأنه لم يقله ابتداء، إنما قاله مجاراة لها. قال القرطبي: اختلف الناس في هذا الباب، والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على رفعه، والنفوس مجبولة على وجدان ذلك، فلا يستطاع تغييرها عما جبلت عليه، وإنما كلف العبد ألا يقع منه في حال المصيبة ما له سبيل إلى تركه كالمبالغة في التاوه والجزع الزائد، كأن من فعل ذلك خرج عن معاني أهل الصبر، وأما مجرد التشكي فليس مذموما حتى يحصل التسخط للمقدور، وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره للناس على سبيل التضجر. والله أعلم انتهى. وقال الحافظ ابن حجر معللا قول بعض العلماء بالكراهة: ولعلهم أخذوه بالمعنى من كون كثرة الشكوى تدل على ضعف اليقين، وتشعر بالتسخط للقضاء، وتورث شماتة الأعداء، وأما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله، فلا بأس به اتفاقا. انتهى. والخلاصة أن التأوه ونحوه جائز بلا كراهة، وتركه واشتغال المريض بالذكر أولى. أما كلمة ياي التي يقولها بعض الناس عند وقوعه أو اصطدامه بشيء فإنها لا تخلو غالبا من أن تكون على سبيل الجزع بغير قصد من قائلها، وما كان بغير قصد لا يترتب عليه حكم شرعي، أو يكون بقصد تنبيه من يخلصه من الأمر الذي فاجأه، وهذا أيضا لا حرج فيه. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني