الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الصلاة خلف من يترك واجبا أو شرطا تأويلا أو تقليدا أو جهلا

السؤال

هل تصح الصلاة خلف من يترك أو يخل بواجب، أو شرط من الصلاة جهلا بالوجوب، إذا كان هذا الواجب أو الشرط مختلفا فيه بين أهل العلم (كتكبيرات الانتقال، والبسملة، وبعض نواقض الوضوء وغيرها) علما بأن الإمام يترك الواجب أو الشرط جهلا، وليس اتباعا للمذهب القائل بعدم الوجوب (بمعنى أنه لا يعلم اختلاف المذاهب، وآراء أهل العلم، وإنما هو تعلم الصلاة منذ صغره على ذلك)؟
أي هل يأخذ نفس حكم مسألة اقتداء أهل المذاهب بعضهم ببعض، كما في الفتوى رقم: (17301).
أطلب سرد أي خلاف (إن وجد) وآراء العلماء بأدلتها (ما أمكن).
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالإمام إذا كان يخل بركن من أركان الصلاة, أو شرط من شروطها جهلا من غير تقليد, وتأويل, كمن يأتي بناقض من نواقض الوضوء مختلفا فيه، أو يتركا ركنا مختلفا فيه كالطمأنينة مثلا, فإن صلاته تعتبر باطلة, وكذلك صلاة من اقتدى به, بناء على ما صححه بعض أهل العلم, وقال بعضهم بصحة صلاة الإمام في هذه الحالة, وهوالذى يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وإذا صحت صلاة الإمام، صحت صلاة من خلفه, وإليك بعض كلام أهل العلم في هذه المسألة.

جاء في دقائق أولي النهى، للبهوتي الحنبلي: (وإن ترك إمام ركنا) مختلفا فيه، كطمأنينة بلا تأويل، أو تقليد، أعاد هو ومأموم (أو) ترك إمام (شرطا مختلفا فيه) كستر أحد العاتقين في فرض (بلا تأويل، أو) بلا (تقليد) لمجتهد (أعادا) أي: الإمام والمأموم، أما الإمام فلتركه ما تتوقف عليه صحة صلاته، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته بالإعادة، وأما المأموم فلاقتدائه بمن لم تصح صلاته. انتهى.

وفي النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لابن مفلح الحنبلي: وقد ذكروا فيمن صلى وترك شرطا، أو ركنا ساغ فيه الخلاف من غير تأويل، ولا تقليد، أنه لا تصح صلاته في أصح الروايات؛ لأن فرضه التقليد وقد تركه. والثانية لا إعادة إن طال الزمن، والثالثة تصح مطلقا؛ لخفاء طرق هذه المسائل. انتهى.

وفي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: ومن هذا الباب من ترك الطهارة الواجبة، ولم يكن علم بوجوبها، أو صلى في الموضع المنهي عنه قبل علمه بالنهي: هل يعيد الصلاة؟ فيه روايتان منصوصتان عن أحمد، والصواب في هذا الباب كله: أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم، وأنه لا يقضي ما لم يعلم وجوبه. انتهى. ثم ساق أدلته.

أما إذا ترك الإمام واجبا مختلفا فيه, كتكبيرات الانتقال مثلا, من غير تقليد, ولا تأويل, فإنه ينطبق عليه حكم الساهي, فيسجد للسهو, فإن ترك هذا السجود صحت صلاته, وكذلك صلاة من خلفه.

جاء في دقائق أولي النهى للبهوتي: من ترك واجبا جاهلا حكمه، بأن لم يخطر بباله أن عالما قال بوجوبه، فهو كالساهي، فيسجد للسهو إن علم قبل فوات محله، وإلا فلا، وصلاته صحيحة. انتهى.

وهذه المسألة تختلف عن مسألة اقتداء أهل المذاهب ببعضهم؛ لأن الإمام في هذه الحالة على بصيرة مما يفعله، عالما بحكم ما يُقدم عليه, ومقلدا لإمام معين.

جاء في مطالب أولى النهى للرحيباني الحنبلي: (و) إن ترك إمام ركنا، أو شرطا أو واجبا (عند مأموم وحده) كحنفي صلى بحنبلي، وكشف عاتقيه، أو لم يطمئن، (لم يعيدا) أي: الإمام والمأموم (اعتبارا بعقيدة إمام) ؛ لأن الصحابة كان يصلي بعضهم خلف بعض، مع اختلافهم في الفروع. انتهى.

وفي المغني لابن قدامة: فأما المخالفون في الفروع كأصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، فالصلاة خلفهم صحيحة، غير مكروهة. نص عليه أحمد؛ لأن الصحابة والتابعين، ومن بعدهم لم يزل بعضهم يأتم ببعض، مع اختلافهم في الفروع، فكان ذلك إجماعا، ولأن المخالف إما أن يكون مصيبا في اجتهاده، فله أجران: أجر لاجتهاده، وأجر لإصابته، أو مخطئا فله أجر على اجتهاده، ولا إثم عليه في الخطأ، لأنه محطوط عنه. انتهى.

مع التنبيه على أنه يجب على المسلم تعلم فروض العين؛ كالطهارة, والصلاة، ونحوهما من فروض الأعيان التي أوجبها الله تعالى على كل مسلم. وراجع الفتوى رقم: 59220. ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 328768, وهي بعنوان: " طريقة تحصيل وفهم علم السلف"
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني