الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم صرف الزكاة لغير المسلمين

السؤال

هل ثبت عن عكرمة مولى ابن عباس في التفريق بين الفقراء والمساكين: أن الفقراء: فقراء المسلمين، والمساكين: فقراء أهل الكتاب؟ وهل صح أن عمر رأى ذميا مكفوفا مطروحا على باب المدينة، فقال له عمر: مالك؟ قال: استكدوني في هذه الجزية حتى إذا كف بصري تركوني، فقال الفاروق: ما أنصفت إذن، فأمر له بقوته وما يصلحه، وقال: هذا من الذين قال الله فيهم: إنما الصدقات للفقراء والمساكين ـ وهم زمنى أهل الكتاب، فهل تعطى ـ حسب هذا التفسير ـ الزكاة لمساكين أهل الذمة؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما الأثر عن عكرمة فرواه عنه أبو جعفر بن جرير في تفسيره قال: حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عمر بن نافع قال: سمعت عكرمة في قوله: إنما الصدقات للفقراء والمساكين ـ قال: لا تقولوا لفقراء المسلمين مساكين إنما المساكين، مساكين أهل الكتاب.

وأما أثر عمر فرواه ابن أبي حاتم في تفسيره قال: حَدَّثَنَا أَبِي ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْعَبْسِيُّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُمَيِّزُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ ذَاتَ يَوْمٍ مُتَّزِرًا بِبُتٍ فَلَمَّا فَرَغَ انْصَرَفَ فَمَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَطْرُوحٍ عَلَى بَابٍ فَقَالَ: اسْتَكَدُونِي وَأَخَذُوا مِنِّي الْجِزْيَةَ حَتَّى كُفَّ بَصَرِي، فَلَيْسَ أَحَدٌ يَعُودُ عَلَيَّ بِشَيْءٍ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَنْصَفْنَا إِذَنْ ثُمَّ قَالَ: هَذَا مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ {التوبة: 60} الْفُقَرَاءُ: هُمْ زَمْنَى أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِرِزْقٍ يَجْرِي عَلَيْهِ.

وأما دفع الزكاة إلى فقراء أهل الكتاب: فعامة أهل العلم على أنه لا يجوز، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم. متفق عليه.

فخص الزكاة بفقراء المسلمين، قال القرطبي: وَمُطْلَقُ لَفْظِ الْفُقَرَاءِ لَا يَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ بِالْمُسْلِمِينَ دُونَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَكِنْ تَظَاهَرَتِ الْأَخْبَارُ فِي أَنَّ الصَّدَقَاتِ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. اهـ

ثم ذكر الخبرين المتقدمين، وكأن العلماء بعد لم يلتفتوا إلى قول عكرمة والمروي عن عمر، أو تأولوا الخبرين بوجه من وجوه التأويل، فحكى غير واحد الإجماع على عدم جواز صرف زكاة المال في غير المسلمين، ودليله واضح، قال ابن قدامة رحمه الله: لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ لَا تُعْطَى لِكَافِرٍ وَلَا لِمَمْلُوكٍ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُعْطَى مِنْ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ شَيْئًا ـ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُعَاذٍ: أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ ـ فَخَصَّهُمْ بِصَرْفِهَا إلَى فُقَرَائِهِمْ، كَمَا خَصَّهُمْ بِوُجُوبِهَا عَلَى أَغْنِيَائِهِمْ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني