الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أعتذر عن طول السؤال، فالنقطة الثانية في سؤالي الحالي لم تجيبوا عنها في سؤالي الماضي، وقد ذكرتها في سؤالي الحالي مرة أخرى، فأرجو الرد عليها.
وسؤالي مكون من نقطتين: النقطة الأولى: لقد قرأت حكمكم عن لعبة: "MMA"، وذكرتم أنه ليس لديكم علم بها، لكنها لعبه شاملة، وفي الرابط الذي سأقدمه لكم تعريف باللعبة إلى حدٍّ ما، كما أنه يحتوي على قائمة بالممنوعات، والمخالفات، وكيف ينتهي النزال.
أعرف أن الموضوع مهم؛ لأن هذه اللعبة أصبحت الأولى في العالم، علمًا أن كل لعبة لها أضرارها الجانبية، وسلبيتها، ولها أيضًا إيجابيها، وفي الحقيقة نحن محتاجون لحكم واضح على هذه اللعبة؛ بناء على معلومات صحيحة، واضعًا في النفس أثر هذه الألعاب الإيجابية -التعود على الألم، والمواجهة الحقيقية، وتحمل الإصابات، والشجاعة، والثقة بالنفس) وهذا الرابط فيه تعريف باللعبة، لكني أعرف أنكم تحتاجون معلومات أكثر لكي تحكموا (الرابط هو: arabsmma.com)، ثم تبحث عن صفحة: كيف تصبح مقاتل فنون قتالية مختلطة، أو اكتب على جوجل: كيف تصبح مقاتل فنون قتاليه مختلطة؟ ثم تختار "arabsmma.com" أعرف أنكم ستحتاجون معلومات أكثر للحكم، لكن هذا الرابط مجرد تعريف باللعبة.
ملحوظة أخيرة: كل الألعاب الجدية فيها نسبة أذى، فإذا تجنبت هذه الألعاب، فلن أتشجع، ولن أزيد ثقتي في نفسي، فيجب أن أتحمل هذه النسبة، علمًا أن ألعاب الطرح -كالجودو- لها إصابتها وسلبياتها، وهذا رابط يوضح الإصابات العديدة للجودو: http://www.nsmi.org.uk/articles/judo-injuries.html فكل لعبة لها سلبياتها، ولتجنب السلبيات فلن أجد طريقة لأتشجع.
النقطة الثانية -وهي الأهم-: إذا قلتم لي: إن هذه اللعبة غير جائزة، فيجب أن تدلوني على البديل لاكتساب الثقة، والشجاعة، والقدرة على تحمل الألم، والمواجهة الحقيقية؛ لكي يعيش الإنسان مطمئنًا في حياته، واثقًا من نفسه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلعبة أو رياضة (MMA) هي رمز رياضة (فنون القتال المتنوع)، وقد جاء في ويكيبيديا (الموسوعة الحرة) التعريف بهذه الرياضة بأنها: رياضة قتالية، مزيج بين كثير من فنون الدفاع عن النفس -تقنيات، ومهارات مختلفة- تسمح القوانين باستخدام تقنيات الضربات المباشرة، والمسكات في وضعية الوقوف، أو على الأرضية، مما يسمح للمقاتلين بالدخول للرياضة بخلفيات مختلفة عن فنون القتال. انتهى.

وتبين لنا -مما اطلعنا عليه- أن هذه الرياضة أو اللعبة -كما يسميها بعضهم- لا تخلو من إلحاق الضرر بالوجه، وغيره من أجزاء البدن، بل إن الرياضة مبنية على ذلك، فصاحبها يجوز له أن يلكم المنافس على وجهه، أو يضربه في أماكن حساسة في الجسم، قد تؤدي إلى قتله، أو إعاقته إعاقة دائمة، وذلك فيه ضرر، وإضرار بالخصم، لا يقره شرع، ولا عقل.

وإذا سلمت الفنون القتالية من مثل هذه المحاذير الشرعية، أو غيرها، كتضييع الصلاة، وكشف العورة، وكان الغرض منها تقوية البدن، والدفاع عن النفس، فتكون حينئذ مباحة، فقد جاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته: المصارعة الحرة، والملاكمة، ونحوها، حرام؛ لما تحدثه من أضرار في حياة الإنسان، أو الحيوان، والدين الإسلامي يمنع مثل هذه الألعاب المنحرفة؛ لأن فيها خرقًا سافرًا لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا قاتل أحدكم فليتجنب الوجه. رواه البخاري من حديث أبي هريرة.

فإن لم يكن في الملاكمة، أو المصارعة ضرر بأحد الطرفين، كانت مباحة، وكذلك تباح إن كان فيها تعويد الإنسان على القوة، والقتال، والدفاع عن النفس، وقد صارع رسول الله صلى الله عليه وسلم رُكانة، وغلبه. انتهى.

وللفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 119375، وما أحيل عليه فيها.

ومما ينبغي ذكره أن قوة البدن وحدها لا تكفي، بل لا بد من قوة القلب معها؛ فإن مدار الشجاعة عليها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في الاستقامة: وَقد ذكر الْجِهَاد بِالنَّفسِ، وَالْمَال فِي سَبيله، ومدحه فِي غير آيَة من كِتَابه، وَذَلِكَ هُوَ الشجَاعَة، والسماحة فِي طَاعَته سُبْحَانَهُ، وَطَاعَة رَسُوله. وملاك الشجَاعَة الصَّبْر، الَّذِي يتَضَمَّن قُوَّة الْقلب وثباته؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {كم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَثِيرَة بِإِذن الله وَالله مَعَ الصابرين} [سُورَة الْبَقَرَة: 249]، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم فِئَة فاثبتوا واذْكُرُوا الله كثيرا لَعَلَّكُمْ تفلحون * وأطيعوا الله وَرَسُوله وَلَا تنازعوا فتفشلوا وَتذهب ريحكم واصبروا إن الله مَعَ الصابرين} [سُورَة الانفال: 45 - 46].

والشجاعة لَيست هِيَ قُوَّة الْبدن، فقد يكون الرجل قوي الْبدن، ضَعِيف الْقلب، وإنما هِيَ قُوَّة الْقلب وثباته، فَإن الْقِتَال مَدَاره على قُوَّة الْبدن وصنعته لِلْقِتَالِ، وعَلى قُوَّة الْقلب، وخبرته بِهِ. والمحمود مِنْهُمَا مَا كَانَ بِعلم وَمَعْرِفَة، دون التهور الَّذِي لَا يفكر صَاحبه، وَلَا يُمَيّز بَين الْمَحْمُود والمذموم؛ وَلِهَذَا كَانَ الْقوي الشَّديد هُوَ الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب، حَتَّى يفعل مَا يصلح دون مَا لَا يصلح، فَأَما المغلوب حِين غَضَبه، فَلَيْسَ هُوَ بِشُجَاعٍ، وَلَا شَدِيد. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني