الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوض في القدر.. الجائز والمنهي

السؤال

هل يحق لنا البحث في القضاء والقدر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن البحث في القضاء القدر من أجلِ تعلم ما يجب على المسلم اعتقاده ويصحح به إيمانه واجب، لقوله صلى الله عليه وسلم لجبريل جوابًا عن سؤاله عن الإيمان: وأن تؤمن بالقدر خيره وشره. رواه مسلم فدل ذلك على أن الإيمان بالقدر من أركان الإيمان التي يجب على المسلم أن يؤمن بها، ومعلوم أنه لا يتحقق هذا الإيمان الواجب إلا بعد العلم به. وأما الخوض في القضاء والقدر بالظن وعدم العلم ومحاولة علم ما لا تهتدي العقول إلى معرفته فإنه لا يجوز. فقد روى أحمد وغيره من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر، قال: وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب. قال: فقال لهم: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ بهذا هلك من كان قبلكم!. قال: فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أشهده بما غبطت نفسي بذلك المجلس أني لم أشهده. قال الشيخ الأرناؤوط : صحيح. وفي رواية ابن ماجه قال: خرج رَسُول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمْ عَلَى أصحابه وهم يختصمون في القدر. فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب. فَقَالَ: بهَذَا أمرتم أو لهَذَا خلقتم؟ تضربون القُرْآَن بعضه ببعض. بهَذَا هلكت الأمم قبلكم!. قَالَ: فَقَالَ عَبْد اللَّه بْنُ عمرو: مَا غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عَنْ رَسُول اللَّه صَلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلمْ مَا غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عَنْهُ. وروى الطبراني من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا. وقد حسن إسناده المباركفوري في تحفة الأحوذي ، وصححه الشيخ الألباني في السلسة الصحيحة وصحيح الجامع. والمنهي عنه في هذه الأحاديث هو الخوض فيها بالباطل والظن -كما أسلفنا -. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الخوض في ذلك - أي في القضاء والقدر - بغير علم تام، أوجب ضلال عامة الأمم، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التنازع فيه. وفي الحديث الذي ذكرناه أخيرًا ما يدل على ذلك، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا فليس معناه - كما هو معلوم - الإمساك عن ذكر فضائل الصحابة وجهادهم، إنما معناه الإمساك عن ذكرهم بالباطل، وكذلك يقال في القدر. أما ما يؤثر عن بعض العلماء من أن القدر سر الله في خلقه، فهذا صحيح يجب إدراكه لكل من يبحث في القدر، لكن هذا محصور في الجانب الخفي من القدر، ألا وهو كونه سبحانه وتعالى أضل وهدى، وأمات وأحيا، ومنع وأعطى، وقسم ذلك بين عباده بقدرته ومشيئته النافذة، فمحاولة معرفة سر الله في ذلك لا تجوز؛ لأن الله حجب علمها حتى عن أقرب المقربين، أما جوانب القدر الأخرى وحِكَمُه العظيمة ومراتبه ودرجاته وآثاره، فهذا مما يجوز الخوض فيه، وبيان الحق للناس فيه، بل بيانه مما يندب إليه، وينبغي شرحه وإيضاحه للناس؛ إذ الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان التي ينبغي تعلمها ومعرفتها. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني