الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم عدم إنكار المنكر

السؤال

هل أكون آثماً إذا رأيت منكراً مثلاً في المواصلات العامة، أو في الشارع، أو في الجامعة، ولم أنكر بلساني، بسبب الخجل من الغرباء؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فالحياء من الناس ليس عذرا في ترك إنكار المنكر، والحياء الذي يحمل صاحبه على ترك النهي عن المنكر، حياء مذموم، كما بيناه في الفتوى رقم: 227296.

وأما سؤالك: هل يترتب على عدم الإنكار الإثم؟

فجوابه: أن إنكار المنكر من فروض الكفايات، وليس من فروض الأعيان، فلا يأثم الفرد إذا ترك إنكار المنكر، ما دام غيره قائما بذلك الواجب، ويأثم الجميع إذا لم يُنْكَرِه أحدٌ منهم، ويعرضون أنفسهم للعقوبة، ففي الحديث: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ لَا يُغَيِّرُونَهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

قال الإمام النووي في شرح مسلم: إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَرْضُ كِفَايَةٍ، إِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ، سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ؛ وَإِذَا تَرَكَهُ الْجَمِيعُ، أَثِمَ كُلُّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ، وَلَا خَوْفٍ. ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَتَعَيَّنُ، كَمَا إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ إلا هو، أو لا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِزَالَتِهِ إِلَّا هُوَ .. إلخ.

ولا شك أن كثرة المنكرات وفشوها تتطلب جهدا مضاعفا من المصلحين، لكن إذا كثرت المنكرات كثرة يشق معها على المسلم إنكار كل ما يراه منها، فإنه ربما يُعذرُ في عدم الإنكار كلما رأى منكرا، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: «الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ.

قال في عون المعبود: (وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكِ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ) أَيِ الْزَمْ أَمْرَ نَفْسِكَ، وَاحْفَظْ دِينَكَ، وَاتْرُكِ النَّاسَ وَلَا تَتْبَعْهُمْ. وَهَذَا رُخْصَةٌ فِي تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ إِذَا كَثُرَ الْأَشْرَارُ، وَضَعُفَ الْأَخْيَارُ. اهـ.
فاجتهد -أخي السائل- في إنكار ما تراه من المنكرات بحسب الاستطاعة، وربما لا تعذر في ترك الإنكار بسبب الحياء، ولعلك تعذر بسبب كثرة المنكرات، مع عجزك عن إنكارها كلها.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني