الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير "هُوَ الأَوَّلُ وَالْآخِرُ.."

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام على سماحتكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فقد أخبرنا الله سبحانه من باب ذكر صفاته في القرآن الكريم بأنه الأول والآخر فأما الأول فقد عرفناه أن الله موجود منذ الأزل وما كان شي قبله لكن ما معنى الآخر وأهل الجنة باقين مع بقائه سبحانه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فأولاً نؤكد على ما قرره السائل من أبدية الجنة وأهلها، وأنها لا تفنى ولا تبيد، وأن هذا مما يعلم قطعًا، حيث أكَّده القرآن في عدة مواضع، وأخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث تواترت عنه، وأجمع عليه سلف هذه الأمة، وأن الإيمان به من الإيمان باليوم الآخر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "بيان تلبيس الجهمية": وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية، كالجنة والنار والعرش وغير ذلك، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين، كالجهم بن صفوان، ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها. أما معنى (الآخِر) في قوله عز وجل: هُوَ الأَوَّلُ وَالْآخِرُ[الحديد:3]. فقد وردت فيه تفسيرات عن أهل العلم لا تعارض بينها وبين ما أجمع عليه السلف وأئمة المسلمين من بقاء الجنة وأهلها. منها: قول شيخ الإسلام ابن تيمية في "الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح": قوله: (هُوَ الأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أراد بذلك أنه مجتمع في حقّه سبحانه ما يتضاد في حق غيره، فإن المخلوق لا يكون أولاً آخرًا باطنًا ظاهرًا. وبيَّن النفراوي في "الفواكه الدواني" عدم تعارض هذا المعنى مع بقاء الجنة وأهلها، بقوله: وهذا بخلاف أولية المخلوقات، فإن كل أولٍّ منها له آخر إلا الجنة والنار وأهلها، فإن هذه لها أول باعتبار خلق الله إياها، وليس لها آخر لأنها لا تفنى. ومنها أيضًا: قول شيخ الإسلام ابن تيمية في "بيان تلبيس الجهمية": ... (الأَوَّلُ وَالْآخِرُ) لا ابتداء له ولا انتهاء، وإذا لم يكن له نهاية ولا حد من الوجهين جميعًا ظهر فيه امتناع أن قبله أو بعده شيء، بخلاف المتناهي المحدود من الأحياز، ولكن هذا الفرض جاء من خصوص المكان والزمان، بدليل أن أهل الجنة لا آخر لوجودهم، بل هم باقون أبدًا، وإن كانوا متحيزين لا حدّ ولا نهاية لآخرهم، وإن كانت ذواتهم محدودة متناهية في أحيازها وأماكنها. ومنها: ما نقله النووي في "شرح مسلم" عن أبي بكر الباقلاني قال: الباقي بصفاته من العلم والقدرة وغيرهما التي كان عليها في الأزل، ويكون كذلك بعد موت الخلائق وذهاب علومهم وقدرهم وحواسهم وتفرق أجسامهم. وتعلقت المعتزلة بهذا الاسم فاحتجوا به لمذهبهم في فناء الأجسام وذهابها بالكلية، قالوا: ومعناه الباقي بعد فناء خلقه. ومذهب أهل الحق خلاف ذلك، وأن المراد: الآخر بصفاته بعد ذهاب صفاتهم، ولهذا يقال آخر من بقي من بني فلان فلان، يراد حياته، ولا يراد فناء أجسام موتاهم وعدمها. وقول الباقلاني مبني على أن معنى الآخر، وهو: الباقي بعد فناء الدنيا، وهو كقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]. وقوله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا [مريم:40]. ومنها: ما نقله ابن عطية في تفسيره عن أبي بكر الوراق قال: هو الأول بالأزلية، والآخر بالأبدية، وهو الأول بالوجود، إذ كل موجود فبعده وبه، والآخر: إذا نظر العقل في الموجودات حتى يكون إليه منتهاها. قال عز وجل: وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى [النجم:42]. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني