الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفهم الصحيح لقوله تعالى: يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ

السؤال

كلما قرأ الشخص آية: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، أو آيات أخرى مشابهة لهذه الآية، ينتابه الخوف من أن يكون ممن شاء الله أن يكون من الضالين.
فهل هذه الآيات مطلقة؟ وتعني أن الشخص مهما سعى للخير ربما يكون من الضالين؟
إذا كانت الإجابة أن الله سوف يهديه. إذا لماذا لم تذكر في القرآن الكريم آية مثل: إن الله يهدي من يسعى للخير، أو آية شبيهة بها، ولكن بدل ذلك ذكر: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} أو أمثال هذه الآية؟ (وأسأل هذا السؤال للعلم، وليس للاعتراض.)
ومتى يشاء الله أن يهدي عبده؟ وكيف للشخص أن يشعر بالطمأنينة في قلبه وهو يقرأ هذه الآيات؟ فكلما فكر أو قرأ هذه الآيات، يشعر بقلق واضطراب.
أرجو إجابة على هذا السؤال كاملا.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الله تعالى هو الذي يوفق العبد إلى الهداية، أو يزيغه إلى الضلال، فمن هداه فبفضله، ومن أضله فبعدله. ولكن لا يصح بالإطلاق ما ذكرت من أن الشخص مهما سعى للخير، يكون من الضالين. فقد أخبر الله تعالى أن من أسباب هدايته للعبد وتثبيته له، إقبال العبد على الهداية، واجتهاده في تحصيلها، وعمله بما علم، كما قال سبحانه: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد:17)، وقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69)، وقال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا {النساء:66-67-68}.

ومن وسائل الثبات أيضاً: الدعاء، وصحبة الأخيار، وحضور مجالس العلم والوعظ التي ترقق القلوب، وتزكي النفوس, ومنها دعوة الآخرين للاستقامة، والاشتغال بالأعمال الصالحة. وقد يعاقب الله من يشاء بالضلال، كما يجزي الطائعين بالهداية.

فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: العمل بموجب العلم يثبته ويقرره، ومخالفته تضعفه، بل قد تذهبه، قال الله تعالى: فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم {الصف: 5}، وقال تعالى: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة {الأنعام: 110}، وقال تعالى: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ـ 66ـ وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ـ 67ـ ولهديناهم صراطا مستقيما ـ 68. {النساء}. اهـ.

وقال ـ أيضًا: الله سبحانه جعل مما يعاقب به الناس على الذنوب سلب الهدى، والعلم النافع، كقوله: وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم. وقال: وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم. وقال: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون * ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة. وقال: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضًا. وقال: فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم. اهـ.

وقال ـ أيضًا: من أعرض عن اتباع الحق الذي يعلمه، تبعًا لهواه، فإن ذلك يورثه الجهل والضلال، حتى يعمى قلبه عن الحق الواضح. اهـ.

وقد بسطنا الكلام على هذا في الفتاوى التالية أرقامها: 15219 / 117454 /332308

هذا، ونعتذر عن إجابة بقية أسئلتك؛ لأننا بيّنّا في خانة إدخال الأسئلة، أنه لا يسمح إلا بإرسال سؤال واحد فقط في المساحة المعدة لذلك، وأن الرسالة التي تحوي أكثر من سؤال، سيتم الإجابة عن السؤال الأول منها، وإهمال بقية الأسئلة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني