الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الكفر موجب لدخول النار

السؤال

عمري 16 عاما، ولا يخفى على أحد أنه في هذا العمر يبدأ التفكير والشك وطرح الأسئلة في كل شيء تعودنا عليه منذ صغرنا، وأنا مولود في أسرة مسلمة ـ والحمد لله ـ وعندما قرأت عن الإلحاد وعن حججهم وعن بعض الأديان الأخرى بدأت أسأل أسئلة في ذهني وأبحث عن إجابات، ومن الأسئلة التي لا أجد لها إجابة مقنعة إلى حد ما: لماذا يدخل الله عز وجل كل كافر إلى النار حتى ولو كانوا ممن لم يقوموا بإيذاء المسلمين؟ وهناك بعض الكفار يساعد المسلمين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإننا ننصحك أولا يا بُنَيَّ وأنت في مقتبل العُمُرِ بأن تُقبِلَ على تعلم القرآن حفظا وتفسيرا بدل أن تُشْغِلَ نفسك بالشبهات التي ربما تُفْسِدُ عليك قلبَك، ولا تستطيع دفعها لقلة علمك وصغر سنك، فالحذر الحذر من ذلك، وأما لماذا يدخل الله الكفار إلى النار؟ فاعلم أولا أن الله تعالى لا يعذب أحدا في النار إلا بعد قيام الحجة عليه، كما فصلناه في الفتوى رقم: 39870 .

ومن قامت عليه الحجة وأصر على الكفر فلا شك أنه مستحق للعذاب، وما ربك بظلام للعبيد، ومن علم الله قابليته للهدى هداه فضلا منه سبحانه، كما قال تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ {الأنفال: 23}.

وكما قال تعالى: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنفال: 70}.

ومن علم الله عدم قابليته للهدى أضله عدلا، ولن يهتدي ولو تناطحت أمامه الجبال الرواسي، كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ {الأنعام: 111}.

وكما قال تعالى: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا {الأعراف: 146}.

بل لو وقفوا على النار ورأوها بأم أعينهم ثم ردهم الله إلى الدنيا لعادوا لكفرهم، كما قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {الأنعام: 27ـ 28}.

وصدق الله العظيم إذ يقول: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {يونس:44}.

وكذا قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء: 40}.

فالله تعالى يدخل الكفار النار بسبب كفرهم به جل في علاه، مع أنه هو الذي خلقهم ورزقهم وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة التي لا يستطيعون إحصاءها، وأرسل إليهم الرسل، وأقام عليهم الحجة، وبين لهم طريق النجاة من طريق الهلاك، ومع ذلك كله فإنهم كفروا به وعبدوا غيره فاستحقوا دخول النار.
وأما كون بعض الكفار يساعد المسلمين: فهذه المساعدة لا تذهب هباءً، بل يثيبهم الله تعالى عليها في الدنيا، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا.

وإذا كان الكافر في الدنيا على خُلُقٍ حسنٍ مع الناس، فاعلم أنه على أسوأ ما يكون من الخلق مع خالقه وربه، وقد قال عز وجل: وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا {الفرقان: 55}.

والمعنى: وَكَانَ الْكَافِرُ مُعِينًا لِلشَّيْطَانِ، وَحِزْبِهِ مِنَ الْكَفَرَةِ عَلَى عَدَاوَةِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني