الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام تتعلق بمن تزوجت أثناء عدة الطلاق

السؤال

امرأة طلقت وفي أثناء عدتها تزوجت من رجل آخر جهلا منها ومن زوجها، ثم علما بأن ما أقدما عليه غير مشروع توقفا، وقد حصل دخول.
السؤال هو:
كيف تنتهي العدة الأولى والثانية؟ وهل تتأبد حرمة هذه المرأة على زوجها الأخرى أم لا؟ علما بأن هذه المسألة نازلة وليست مفترضة، فنرجو أن تعطى من الاهتمام ما تستحق وأن لا تحال إلى إجابة سابقة، لأن صاحب السؤال لا يملك جهازا، وإنما أناب من تولى طرح السؤال عليكم على أن يسحب له الإجابة فيما بعد.
والله يعينكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فنكاح الرجل امرأة معتدة من غيره محرم إجماعًا؛ لقوله تعالى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ[البقرة:235]، ولأن العدة إنما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم؛ لئلا يفضي ذلك إلى اختلاط المياه وامتزاج الأنساب. وإذا حصل هذا النكاح كان نكاحًا باطلاً. قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: وجملة الأمر أن المعتدة لا يجوز لها أن تنكح في عدتها إجماعًا... وإن تزوجت فالنكاح باطل؛ لأنها ممنوعة من النكاح لِحقِّ الزوج الأول، فكان نكاحًا باطلاً، كما لو تزوجت وهي في نكاحه، ويجب أن يفرق بينه وبينها، فإن لم يدخل بها فالعدة بحالها، ولا تنقطع بالعقد الثاني؛ لأنه باطل لا تصير به المرأة فراشًا... وإن وطئها انقطعت العدة سواء علم التحريم أو جهله. وقال أبو حنيفة: لا تنقطع. ثم قال: إذا ثبت هذا فعليه فراقها، فإن لم يفعل وجب التفريق بينهما، فإن فارقها أو فرق بينهما، وجب عليها أن تعتد من الثاني، ولا تتداخل العدتان؛ لأنهما من رجلين، وهذا مذهب الشافعي. اهـ ومستند هذا ما روى مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها، فنكحت في عدتها، فضربها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وضرب زوجها ضربات بمخفقة، وفرق بينهما. ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن كان زوجها الذي تزوج بها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الزوج الأول، ثم كان الآخر خاطبًا من الخطاب؛ وإن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من الآخر، ولا ينكحها أبدًا. وروى مالك - أيضًا - عن عليّ رضي اللَّهُ عنهُ، أنَّهُ قضى في الَّتي تُزَوَّجُ في عِدَّتِهَا أن يُفُرَّقَ بينهُمَا ولها الصَّدَاقُ بما استحلَّ من فرجِها وتُكَمِّلُ ما أفسدتْ مِن عِدَّةِ الأولِ فتعتدُّ مِنْ الآخرِ. فتحصل من هذا - فيما يخص مسألتنا - أمور: الأول: وجوب التفريق بين المرأة ومن تزوجها في عدتها. الثاني: أنها تكمل عدة الأول من وقت التفريق. الثالث: أنها تعتد من الثاني بعد انتهاء عدة الأول. وهل لهذا الثاني أن ينكحها أم تحرم عليه تحريمًا مؤبدًا؟ اختلف الفقهاء في ذلك، فذهب مالك والشافعي في القديم وأحمد في رواية، إلى أنها تحرم عليه على التأبيد. كما سبق في قول عمر رضي الله عنه؛ ولأنه استعجل الحق قبل وقته، فحُرمه في وقته. وذهب الحنفية والشافعي في الجديد وأحمد في رواية - وهي المذهب - إلى أن للزوج الثاني أن يتزوجها بعد انقضاء العدتين، بل ذهب الشافعي إلى أن له أن ينكحها في عدتها منه، واختار هذا القول بعض الحنابلة أيضًا. وقد ساق ابن قدامة رحمه الله أدلة المجيزين للنكاح هنا، فقال: ولنا على إباحتها بعد العدتين أنه لا يخلو إما أن يكون تحريمها بالعقد أو بالوطء في النكاح الفاسد أو بهما، وجميع ذلك لا يقتضي التحريم، بدليل ما لو نكحها بلا ولي ووطئها، ولأنه لو زنى بها لم تحرم عليه على التأبيد، فهذا أولى، ولأن آيات الإباحة عامة، كقوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)[النساء:24]، وقوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ)[المائدة:5] فلا يجوز تخصيصها بغير دليل. وما روي عن عمر في تحريمها، فقد خالفه عليّ فيه، وروي عن عمر أنه رجع عن قوله في التحريم إلى قول علي، فإن عليًّا قال: إذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب. فقال عمر: ردوا الجهالات إلى السنة، ورجع إلى قول علي. وقياسهم يبطل بما إذا زنى بها، فإنه قد استعجل وطأها، ولا تحرم عليه على التأبيد. اهـ وهذا القول هو الراجح والله أعلم. وعليه؛ فيجوز لهذا الزوج الثاني أن يتزوج من المرأة بعد قضائها للعدتين على مذهب الحنابلة، أو بعد قضائها لعدة الزوج الأول على مذهب الشافعي رحمه الله. وينبغي التنبيه إلى أنه لو أتت المرأة بولد فإنه قد يلحق بالأول، وقد يلحق بالثاني، في تفصيل لا حاجة لذكره هنا، إلا أن يكون الثاني عالمًا بالعدة وبتحريم النكاح فيها فهو زانٍ، مستوجب للحد، ولا يلحقه النسب. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني