الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إبلاغ المسؤولين بأمر يضر بجهة العمل

السؤال

أعمل في شركة هندسية كمهندس كهرباء، وأطلب أحيانا مواد للمشروع من أحد الموظفين الموكلين بذلك، وبالبحث عن الأسعار المخفضة في الأسواق يشتري ما يلزم، ويقدم الفواتير للشركة دون الحاجة للرجوع إلي في الأسعار، وقدر الله مرة أنه كان غير موجود عند توريد بعض المواد، فوجدت الفواتير الآتية من المورد من غير سعر، فسألته عن ذلك فقال لي إن هذه عادتهم في العمل، فخشيت أن يكون هناك اتفاق بينهما لكي يملي الموظف ما شاء من السعر، ويتقاسم المبلغ الزائد بينه وبين المورد، فعرضت بالكلام أمام مدير الموقع، ففهم مرادي دون أي ردة فعل، مع علمي أن المدير الموقع بريء من ذلك إن وجدت سرقة، فقررت أن أرفع الأمر إلى الإدارة المالية لتحقق في أمره، لكنني خشيت أن يكون الأمر سوء ظن مني، فترددت في رفع الأمر مع أنني لم أجد أي مسوغ لعدم ذكر السعر من المورد مباشرة.
فأرجو إفادتي فيما يجب علي فعله شرعا.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يوفقك، وأن يزيدك حرصا على الحق، وما ذكرته من خلو الفواتير من السعر دليل قوي على العبث والاحتيال، فينبغي نصح ذلك الموظف، وإن كانت تلك المفسدة لا تزول إلا بإخبارك المسؤول بذلك، فإن إخباره مشروع ـ إن لم يكن واجبا ـ وهو من النصيحة لأصحاب الشركة من أجل كف الضرر عنهم، اتباعا لقول النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. أخرجه مسلم.

وليس إخبار المسؤول حينئذ من النميمة المحرمة، بل هو من النصيحة المشروعة، وقد ترجم البخاري في صحيحه: باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه ـ وأسند تحته حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمة، فقال رجل من الأنصار: والله ما أراد محمد بهذا وجه الله، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فتمعر وجهه، وقال: رحم الله موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر.

قال ابن حجر: أراد البخاري بالترجمة بيان جواز النقل على وجه النصيحة، لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على ابن مسعود نقله ما نقل، بل غضب من قول المنقول عنه، ثم حلم عنه وصبر .اهـ.

وقال أيضا: المذموم من نقلة الأخبار من يقصد الإفساد، وأما من يقصد النصيحة ويتحرى الصدق ويجتنب الأذى فلا. اهـ.

وجاء في بريقة محمودية عن النميمة: وفي الأكثر تطلق على نقل القول المكروه إلى المقول فيه وهي حرام، إلا أن يكون له، للمقول له ضرر فيه ـ في ذلك القول ـ ولم يعلمه ـ أي المقول فيه الضرر ـ ولم يمكن دفعه إلا بالإعلام، فيجب حينئذ الإعلام لأنه نصح واجب. اهـ.

ويؤخذ من قوله: ولم يمكن دفعه إلا بالإعلام ـ أنه لا يشرع نقل خبر الفساد الذي يرتكبه الموظف إلى المسؤول إلا إن كان ذلك الفساد لن يزول إلا بنقل الخبر للمسؤول، وأما إن كان نصح الموظف يؤدي إلى زوال المفسدة، فينبغي الاكتفاء به، وعدم نقل الأمر إلى المسؤول، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 316894، 182901، 317287.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني