الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام الكفالة بمال المضاربة

السؤال

أعمل مهندسا مدنيا. وتعاملت مع مقاول أردني، حيث أخذ مني إنشاء مسجد بالسعودية، وأنهى مشروع المسجد، وكان أمينا وصادقا في التعامل.
وبعد فترة أخبرني بأنه أخذ مشروعا، وأنه يريد من يشاركه في التمويل بأي مبالغ. فدرست المشروع، وعرفت أن به فائدة ممتازة. فأعطيته مبلغا من المال، ورد لي المبلغ بالفائدة، وعرض علي مشروعا آخر، ففكرت أن أفيد غيري معي. فأخبرت أخي وعديلي، فسألوني: هل تضمن هذا الرجل؟ قلت لهم: نعم، إنني ضامن له، وذلك بسبب حسن أمانته وصدقه سابقا معي. فحولا لي المبلغ، وبعد فترة اختفى هذا الرجل، وعرفت أنه نصب علي كثيرا، وهرب إلى بلده.
السؤال: هل أنا ملزم برد المبلغ لأخي وعديلي. والله على ما أقول شهيد.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه المسألة في الحقيقة من مسائل القضاء، لا الفتوى، كسائر مسائل المناكرات والخصومات، تحتاج إلى سؤال وتحرٍ، وتوثق من مقاصد الخصوم، ومراعاة عرف بلدهم! ولذلك فهي تحتاج إلى قاض شرعي، أو من يقوم مقامه، ليجمع بين الخصوم ويسألهم، ويتوثق من أقوالهم.
وعلى أية حال، فإننا نقول على وجه الإجمال: إن مال المضاربة أمانة في يد المضارب، فلا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط. والكفالة بهذا المال في حال عدم تعدي المضارب ولا تفريطه: لا يصح بحال؛ لأن جعل ما أصله أمانة مضمونًا بالشرط لا يصح؛ لأن هذا الشرط منافٍ لمقتضى العقد، ومفوت لموجبه، فلا يعتبر.
جاء في (مجمع الضمانات): لا تصح الكفالة بما كان أمانة كالوديعة، والمستعار والمستأجر، ومال المضاربة والشركة، كما في الهداية. اهـ.
وفيه أيضا: من شرائط جوازها كون المكفول به مضمونا على الأصيل، بحيث يجبر على تسليمه. ولذا قلنا: إن الكفالة بالأمانة كوديعة ومال مضاربة وشركة: باطلة؛ لأنها غير مضمونة لا عينها ولا تسليمها. اهـ.
وأما الكفالة بمال المضاربة في حال تعدي المضارب أو تفريطه: فصحيح على الراجح من أقوال الفقهاء.

قال ابن قدامة في (المغني): فأما الأمانات، كالوديعة، والعين المؤجرة، والشركة، والمضاربة، والعين التي يدفعها إلى القصار والخياط، فهذه إن ضمنها من غير تعد فيها، لم يصح ضمانها؛ لأنها غير مضمونة على من هي في يده، فكذلك على ضامنه. وإن ضمنها إن تعدى فيها، فظاهر كلام أحمد -رحمه الله- يدل على صحة الضمان؛ فإنه قال في رواية الأثرم، في رجل يتقبل من الناس الثياب، فقال له رجل: ادفع إليه ثيابك، وأنا ضامن. فقال له: هو ضامن لما دفعه إليه. يعني إذا تعدى أو تلف بفعله. فعلى هذا إن تلف بغير تفريط منه ولا فعله، لم يلزم الضامن شيء، لما ذكرنا، وإن تلف بفعله أو تفريط، لزم ضمانها ولزم ضامنه ذلك؛ لأنها مضمونة على من هي في يده، فلزم ضامنه، كالغصوب والعواري. وهذا في الحقيقة ضمان ما لم يجب، وقد بينا جوازه. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: ذهب المالكية إلى عدم صحة ضمان الودائع والعاريات، ومال القراض، على أنها إذا تلفت أتى بعينها، ولكن إذا ضمنها على أنها إذا تلفت بتعد أو تقصير، التزم بدفع القيمة، أو رد المثل، صح الضمان ولزم؛ لأنها كفالة معلقة على ثبوت الدين، وهي جائزة عندهم. اهـ.
ويبقى النظر بعد ذلك فيما ذكره السائل بقوله: (فأخبروني بأنك ضامن هذا الرجل. قلت لهم: نعم إنني ضامنه ..) : هل يعنون بهذا: الضمان بمعناه الاصطلاحي، أم يعنون سؤاله عن توثقه من هذا المضارب ومعرفته به، وتجربته معه، ونحو ذلك مما لا يعني الالتزام برد مالهم في حال تعديه أو تفريطه.
وهذا -كما قدمنا- من مسائل القضاء وفصل الخصومات، لا الفتوى. فعليهم أن يذهبوا إلى من يحكم بينهم، أو يصطلحوا ويتسامحوا فيما بينهم على ما يرونه عدلا وقسطا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني