الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عقوبة العائن والحاسد في الآخرة

السؤال

بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرا.
أنا امرأة متزوجة، وعندي طفلان، أنا على قدر من الإيمان والحمد لله، وصلتي بالله تعالى قوية جدا، ولله الحمد.
حصلت على بعثة لدراسة الماجستير في أمريكا، وفعلا سافرت أنا وزوجي وأطفالي إلى أمريكا. وهناك كنت أعاني من أعراض العين والحسد بشكل كبير.
وأثناء إقامتنا هناك، أصبحت حاملا بولد، وكانت صحتي جيدة جدا، وكذلك الجنين كان سليما معافى تماما، وفي شهري الثامن من الحمل رأيت رؤية في منامي أن أفعى كبيرة سوداء مخيفة جالسة بجانب طفلي، مخرجة لسانها نحوي، وكأنما تخبرني بأني سوف لن أتمكن من الاقتراب والوصول إلى طفلي. وخفت خوفا شديدا في المنام، وابتعدت عن طفلي شيئا فشيئا، وقلت إنني سوف لن أتمكن من إرضاع طفلي بسبب هذه الأفعى.
بصراحة لم أعر هذا الحلم أهمية، ولم أفكر فيه وقتها، وجاء يوم المخاض وكنت أنا وجنيني بصحة جيدة جدا جدا، والجنين كان سليما تماما، وفي آخر لحظات الولادة انفجر رحمي بدون سبب، ولم يعرف الأطباء ما السبب، وانقطع الأوكسجين عن طفلي، وأصبح عنده تلف شديد في الدماغ.
مكث طفلي في المستشفى تسعة أشهر وهو مشلول شللا تاما: لا يرضع ولا يبكي، ولا يرى، ولا يستطيع حتى أن يبلع لعابه، ولا يتحرك. وطيلة التسعة أشهر كنت أنا وأبوه نبكي ونصلي، وندعو الله ونناجيه ونتوسل إليه أن يشفي طفلنا بمعجزة منه، وكان حسن ظننا بالله كبيرا، ولا يزال.
وبعد تسعة أشهر توفي طفلي الحبيب، ودفناه في الغربة، ورجعنا إلى بلدنا، وبعد أن كان دعائي له بالشفاء، أصبح دعائي أن يجعله الله شفيعا لنا في الآخرة، وأن يأجرنا الله على الحزن والألم الذي عشناه.
سؤالي: هل إن الله قدر وكتب لطفلي أن يموت في هذا العمر حتى ولو كان صحيحا معافى؟ أم إنه مات بسبب الحسد والعين، والضرر الذي أصابه عند الولادة؟
كيف آخذ حقي وحق ابني من الحاسد، حتى وإن لم أعرفه؟ وهل سيحاسبه الله تعالى؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تبارك وتعالى أن يحسن عزاءكم في ابنكم، وأن يخلف لكم بخير منه، وأن يجعله فرطا وشفيعا لكم يوم القيامة، ونبشركم بالحديث الذي رواه الترمذي عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي! فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده! فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد.

وقد ترجم عليه الترمذي: باب فضل المصيبة إذا احتسب.
والعائن إذا تسبب في إضرار أحد، فلا شك في أنه ظالم ومعتد، ولذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم فعله هذا قتلا، فعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أن أباه حدثه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة، حتى إذا كانوا بشعب الخزار من الجحفة، اغتسل سهل بن حنيف، وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة وهو يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة؟ فلبط سهل، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: يا رسول الله! هل لك في سهل؟ والله ما يرفع رأسه وما يفيق؟ قال: هل تتهمون فيه من أحد؟ قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا فتغيظ عليه، وقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت. الحديث رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني.

ووجه الدلالة في تغيظ النبي صلى الله عليه وسلم على عامر بن ربيعة، وتسمية فعله قتلا.

قال القاري في مرقاة المفاتيح: فيه دلالة على أن للعائن اختياراً ما في الإصابة، أو في دفعها. اهـ.

فإذا ألحق العائن بالآخرين ضررا، ولم يستحلهم في الدنيا، فقد يقتص الله عز وجل لهم منه يوم القيامة، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أتدرون ما المفلس؟». قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع. فقال: « إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار».

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني