الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأعياد من الشرائع لا من العادات

السؤال

لدي إشكال فيما يخص كلام ابن عثيمين: "أن عادات الكفار إذا انتشرت بين المسلمين، ولم تعد من اختصاص الكفار، فلا بأس بها"، هذا يعني أن من قام بها في البداية( قبل أن تنتشر بين المسلمين عامة) عليه إثم؛ لأنه من الضروري أنه كان هناك قلة بدأت ثم أصبح الفعل عادة بين المسلمين، ولم يعد مقتصرا على غير المسلمين، فكيف بنفس الفعل وفقط باختلاف الزمان يكون عليه إثم أو لا يكون؟ فالهواتف والسيارات ونوع الملابس والأثاث المستعمل وطريقة الأكل إلخ هو من غير المسلمين لكن المسلمين لا يستعملونه للتشبه بل لحياة أفضل، فلماذا يفتي بحرمة الاحتفال بأيام الميلاد بالرغم من أنه لا يقصد فيها التشبه بغير المسلمين، بل استغلال مناسبة للفرح، والأكثر أنها أصبحت منتشرة بين المسلمين، ولم تعد حكرا على غير المسلمين؟
أرجو أن أجد جوابا مفصلا وشافيا عن استفساري
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد :

فهناك فرق بين العادة التي ليس لها بعد ديني، ومنها ما صنعه الكفار من السيارات والهواتف وأنواع الملابس التي لا علاقة لها بشرعهم، ففرقٌ بين هذه وبين الأعياد، فالأعياد من الشرائع، بخلاف تلك الأشياء التي صنعوها، وقد قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ. [الحج: 67] قال: عيدا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك، التي قال الله سبحانه {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67] كالقبلة والصلاة والصيام، ... اهـ، وقال أيضا: بل الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر. اهــ
فإنشاء العيد من اختصاص الشرع، وليس من اختصاص العادات، ومما يدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد أهلها لهم عيدان في السنة، فأخبرهم أن الله أبدلهم خيرا منهما، ففي سنن أبي داود والنسائي من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، قَالَ: " كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى. اهــ، فلو كان إحداث العيد مردُّه إلى العادة لتركهم على أعيادهم كشأن سائر العادات المباحة.

قال الشيخ ابن عثيمين: تخصيص الأيام، أو الشهور، أو السنوات بعيد مرجعه إلى الشرع وليس إلى العادة، ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر ـ ولو أن الأعياد في الإسلام كانت تابعة للعادات لأحدث الناس لكل حدث عيدا، ولم يكن للأعياد الشرعية كبير فائدة. اهـ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني