الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لماذا قال الله تعالى: "وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين" ولم يقل: "مشركين"؟

السؤال

ما تأويل قوله تعالى: "وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين"، ولم يقل: "مشركين"، فكيف وهم معترفون بالله، بدليل قولهم: "وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا"؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالكفر والشرك قد يطلقان ويراد بهما شيء واحد، وقد يفرق بينهما، فيطلق الكفر على الجحد والتكذيب، ويطلق الشرك على صرف العبادة لغير الله تعالى، وهؤلاء المذكورون في الآية كانوا كفارًا بلا شك، فقد كانوا جاحدين ما بعثت به الرسل، مكذبين لهم، غير منقادين لما جاؤوا به، فلا يستنكر وصفهم بأنهم كانوا كافرين ولا يستغرب، وهم كذلك مشركون، كما وصفوا بذلك في مواضع كثيرة.

وقد سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله- عن الفرق بين الكفر والشرك، فأجاب بقوله: الكفر جحد الحق وستره، كالذي يجحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة، أو وجوب صوم رمضان، أو وجوب الحج مع الاستطاعة، أو وجوب بر الوالدين، ونحو هذا، وكالذي يجحد تحريم الزنا، أو تحريم شرب المسكر، أو تحريم عقوق الوالدين، أو نحو ذلك. أما الشرك فهو: صرف بعض العبادة لغير الله، كمن يستغيث بالأموات، أو الغائبين، أو الجن، أو الأصنام، أو النجوم، ونحو ذلك، أو يذبح لهم، أو ينذر لهم. ويطلق على الكافر أنه مشرك، وعلى المشرك أنه كافر، كما قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}، وقال سبحانه: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}، وقال جل وعلا في سورة فاطر: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ}، {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}، فسمى دعاءهم غير الله شركًا في هذه السورة، وفي سورة قد أفلح المؤمنون سماه كفرًا. وقال سبحانه في سورة التوبة: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، فسمى الكفار به كفارًا، وسماهم مشركين. فدل ذلك على أن الكافر يسمى مشركًا، والمشرك يسمى كافرًا، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة. ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، وقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر». أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه-. انتهى.

ولمزيد الفائدة انظر الفتوى رقم 129080. وبهذا التقرير يزول عنك الإشكال، ويتضح لك أنهم شهدوا على أنفسهم بالكفر؛ لأنهم كانوا كذلك، ولا تنافي بين كونهم كفارًا، وكونهم مشركين، فقد كانوا جامعين للوصفين الكفر والشرك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني