الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الراغب في اعتناق الإسلام يؤمر بالنطق بالشهادتين ثم يؤمر بعد إسلامه ببقية الشرائع

السؤال

بما أن الإيمان عند أهل السنة تصديق، وإقرار، والتزام القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، يزيد وينقص، فالكفر يكون بعكس ذلك، كعدم أصل الالتزام، مثل شخص لم يقبل من الله الالتزام بتحريم الخمر مثلًا، فهو لم يقبل هذا الحكم مثلًا، فإنه يكون كافرًا، فكيف نوفق بين هذا وبين قبول الرسول صلى الله عليه وسلم لإسلام بعضهم بشروط؟ كأن لا يزكي، أو يجاهد؛ لأنه يستحيل أن يقبل رسولنا صلى الله عليه وسلم الإسلام بشرط كفري.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنه ليس فيما ذكرت أي إشكال، فالفرق ظاهر جلي بين المسلم، وبين من يريد الدخول في الإسلام، فالراغب في اعتناق الإسلام إنما نقتصر على أمره بالنطق بالشهادتين أول شيء، ويصح إسلامه بذلك، ولو اشترط ما اشترط من الشروط الفاسدة، ثم بعد نطقه بالشهادتين ودخوله في الإسلام يؤمر ببقية شرائع الإسلام، وتبين له، ويلزم بها شأنه في ذلك شأن المسلمين عامة، وهل يقول أحد: إن من يدعى إلى الإسلام يؤمر بالشرائع كلها قبل أن ينطق الشهادتين، ويدخل في الإسلام أصلًا؟!.

قال ابن رجب: ومن المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك، ويجعله مسلمًا، فقد «أنكر على أسامة بن زيد قتله لمن قال: لا إله إلا الله لما رفع عليه السيف، واشتد نكيره عليه»، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يشترط على من جاءه يريد الإسلام أن يلتزم الصلاة، والزكاة، بل قد روي أنه قبل من قوم الإسلام، واشترطوا أن لا يزكوا، ففي مسند الإمام أحمد، عن جابر قال: «اشترطت ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليهم، ولا جهاد، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سيتصدقون، ويجاهدون»، وفيه أيضًا عن نصر بن عاصم الليثي «عن رجل منهم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم، على أن لا يصلي إلا صلاتين، فقبل منه»، وأخذ الإمام أحمد بهذه الأحاديث، وقال: يصح الإسلام على الشرط الفاسد، ثم يلزم بشرائع الإسلام كلها، واستدل أيضًا بأن حكيم بن حزام قال: «بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا أخر إلا قائمًا». قال أحمد: معناه أن يسجد من غير ركوع. وخرج محمد بن نصر المروزي بإسناد ضعيف جدًّا عن أنس قال: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقبل من أجابه إلى الإسلام إلا بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وكانتا فريضتين على من أقر بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالإسلام، وذلك قول الله عز وجل: {فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [المجادلة: 13]، وهذا لا يثبت، وعلى تقدير ثبوته، فالمراد منه أنه لم يكن يقر أحدًا دخل في الإسلام على ترك الصلاة والزكاة، وهذا حق، فإنه صلى الله عليه وسلم «أمر معاذًا لما بعثه إلى اليمن أن يدعوهم أولًا إلى الشهادتين، وقال: إن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم بالصلاة، ثم بالزكاة»، ومراده أن من صار مسلمًا بدخوله في الإسلام أمر بعد ذلك بإقام الصلاة، ثم بإيتاء الزكاة، وكان من سأله عن الإسلام يذكر له مع الشهادتين بقية أركان الإسلام، كما قال لجبريل -عليه السلام- لما سأله عن الإسلام، وكما قال للأعرابي الذي جاءه ثائر الرأس يسأله عن الإسلام .اهـ.

واعلم أن المسلم لا يكفر بمطلق الذنوب والمعاصي -من فعل المحرمات، كشرب الخمر، أو ترك الفرائض، كالزكاة-، إلا بالاستحلال للمحرمات، أو جحد وجوب الفرائض، وانظر في بيان ذلك وضوابطه الفتاوى التالية أرقامها: 213577 271699 347791.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني