الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القصاص من الطبيب وتضمينه... رؤية شرعية

السؤال

قام طبيب بإجراء عملية جراحية بسيطة لي، و كان تشخيصه خطأ، وأدى إلى كارثة باعتراف كبار الأطباء, حتى أن أحد الأطباء الكبار قال لي ما حدث جريمة, أثرت على رأسي، وتدمرت حياتي كليا بسببه, الألم لا يفارق رأسي، ولا يوجد علاج أو حل لما حدث, اكتشفت بعد ذلك أن هدفه كان المال، ولم يقل لي الحقيقة، وقام بتشخيص خطأ، وخدعني حتى يكسب المال، وتأكدت من ذلك أكثر من مرة، ومن أكثر من شخص.
الآن بلدي لا يوجد بها قانون يرد لي حقي, وأفكر جديا فى الانتقام منه، وأن أسبب له عاهة، أو حادثة مثلما فعل معي .
ما حكم الدين بذلك

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يكتب لك الشفاء والعافية، وأن يعوضك خيرا عما ألم بك.

ولا ريب في أنه لا يحق لك شرعا الانتقام من الطبيب بإصابته بمثل ما أُصبت به -كما تسول لك نفسك-، ولا يقول بهذا عاقل أبدا !

وإنما الطبيب إن أخطأ فعليه الضمان المالي فحسب، وليس هناك قصاص من الطبيب ما دام قد عالج المريض بإذنه، وكان غير متعمد لإصابة المريض، ولو أدى الخطأ إلى وفاة المريض، فضلا عما دون ذلك.

والحكم في ذلك والفصل فيه إنما هو إلى القضاء الشرعي، وليس إلى الطبيب ولا إلى المريض.

قال ابن القيم: وأما الأمر الشرعي، فإيجاب الضمان على الطبيب الجاهل، فإذا تعاطى علم الطب وعمله، ولم يتقدم له به معرفة، فقد هجم بجهله على إتلاف الأنفس، وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه، فيكون قد غرر بالعليل، فيلزمه الضمان لذلك، وهذا إجماع من أهل العلم. وقال الخطابي: لا أعلم خلافا في أن المعالج إذا تعدى، فتلف المريض كان ضامنا، والمتعاطي علما أو عملا لا يعرفه متعد، فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية، وسقط عنه القود، لأنه لا يستبد بذلك بدون إذن المريض، وجناية المتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته.
قلت -ابن القيم- : الأقسام خمسة:

أحدها: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها ولم تجن يده، فتولد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع، ومن جهة من يطبه تلف العضو أو النفس، أو ذهاب صفة، فهذا لا ضمان عليه اتفاقا، وهذا كما إذا ختن الصبي في وقت، وسنه قابل للختان، وأعطى الصنعة حقها، فتلف العضو أو الصبي، لم يضمن.

القسم الثاني: متطبب جاهل باشرت يده من يطبه، فتلف به، فهذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له، وأذن له في طبه لم يضمن، وإن ظن المريض أنه طبيب، وأذن له في طبه لأجل معرفته، ضمن الطبيب ما جنت يده.

القسم الثالث: طبيب حاذق، أذن له، وأعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأت يده، وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه، فهذا يضمن، لأنها جناية خطأ.

القسم الرابع: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته، اجتهد فوصف للمريض دواء، فأخطأ في اجتهاده، فقتله، فهذا يخرج على روايتين: إحداهما: أن دية المريض في بيت المال. والثانية: أنها على عاقلة الطبيب، وقد نص عليهما الإمام أحمد في خطأ الإمام والحاكم.

القسم الخامس: طبيب حاذق، أعطى الصنعة حقها، فقطع سلعة من رجل أو صبي، أو مجنون بغير إذنه، أو إذن وليه، أو ختن صبيا بغير إذن وليه فتلف، فقال أصحابنا: يضمن، لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه، وإن أذن له البالغ، أو ولي الصبي والمجنون، لم يضمن، ويحتمل ألا يضمن مطلقا لأنه محسن، وما على المحسنين من سبيل. وأيضا فإنه إن كان متعديا، فلا أثر لإذن الولي في إسقاط الضمان، وإن لم يكن متعديا، فلا وجه لضمانه. فإن قلت: هو متعد عند عدم الإذن، غير متعد عند الإذن، قلت: العدوان وعدمه إنما يرجع إلى فعله هو، فلا أثر للإذن وعدمه فيه، وهذا موضع نظر .اهـ. باختصار من زاد المعاد.

وراجع لمزيد بيان الفتويين التاليتين: 18906 5178 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني