الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب الفقهاء في دية المرأة فيما دون النفس

السؤال

تعرضت لحادث أنا وعائلتي، وأصيبت زوجتي بكسور ونسبة عجز في الساق اليسرى بنسبة 90%، وتقدمت برفع دعوى قضائية، وتم تقدير إصابات زوجتي ( تقرير شجاج ) من لجنة الخبراء المختصة بتقدير مبالغ تعويض الإصابات بالمحكمة الشرعية بمبلغ 277 ألف ريال.
أرجو شرح الأمر من الناحية الشرعية في دية المرأة في الإصابات؛ حيث إنني علمت أن هناك اختلافا في الأسانيد الشرعية عند زيادة دية المرأة عن ثلث دية الرجل في الجروح.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فنقول ابتداء: إذا كانت المحكمة الشرعية هي التي قضت، فإن حكمها ملزم، ولا ينبغي الاختلاف عليها، أو التشكيك في حكمها؛ بحجة أن في المسألة خلافاً، فحكم القاضي يرفع الخلاف في المسائل الاجتهادية.

جاء في الموسوعة الفقهية: ارْتِفَاعُ الْخِلاَفِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ:
إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي فِي وَاقِعَةٍ مِنَ الْوَقَائِعِ بِحُكْمٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الْخِلاَفُ لِعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ لِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، فَإِنَّ النِّزَاعَ يَرْتَفِعُ بِالْحُكْمِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ، وَيَعُودُ الْحُكْمُ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لأِحَدٍ نَقْضُهُ حَتَّى وَلاَ الْقَاضِي الَّذِي قَضَى بِهِ نَفْسُهُ .. اهـــ
وأما الاختلاف في دية المرأة فيما دون النفس عن دية الرجل، فقد تعددت أقوال الفقهاء في هذه المسألة؛ فمنهم من يرى أن جراحها تساوي جراح الرجل من أهل دينها، فيما دون ثلث ديته، فإذا بلغت الثلث، أو زادت عليه، صارت على النصف منه، وهذا مذهب الإمامين مالك وأحمد، ومنهم من يرى أن جراحها على النصف من جراح الرجل مطلقًا، وهذا مذهب الإمامين أبي حنيفة والشافعي.

فقد جاء في الموسوعة الفقهية عن دية المرأة فيما دون النفس:
أَمَّا فِي دِيَةِ الأْطْرَافِ وَالْجُرُوحِ فَاخْتَلَفُوا: فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ أَطْرَافِ وَجِرَاحِ الرَّجُل أَيْضًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: عَقْل الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الرَّجُل فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَبِهِ قَال الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لأِنَّهُمَا شَخْصَانِ تَخْتَلِفُ دِيَتُهُمَا فِي النَّفْسِ فَاخْتَلَفَتْ فِي الأْطْرَافِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: تُسَاوِي الْمَرْأَةُ الرَّجُل فِي دِيَةِ الأْطْرَافِ إِلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُل. فَإِذَا بَلَغَتِ الثُّلُثَ رَجَعَتْ إِلَى عَقْلِهَا .... وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ، وَهُوَ قَوْل فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَقْل الْمَرْأَةِ مِثْل عَقْل الرَّجُل حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا وَهُوَ نَصٌّ يُقَدَّمُ عَلَى مَا سِوَاهُ ... اهـ

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني