الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تفضيل الكافر على المسلم العاصي

السؤال

ما حكم أخذي بقول الجهة الموثوقة الآتي: السؤال:
ما حكم من يقول: إن بعض النصارى المعتدلين (غير المتشددين) أفضل من بعض المسلمين المتشددين المتنطعين، الذين يحرمون الحلال، ويأخذون أقوال التحريم دائمًا، أو مثال شبيه آخر: المسلم المعتدل الوسطي أفضل من المسلم المتشدد، وهكذا، علمًا أن المقارنة بقصد الاعتدال والوسطية في السلوك، والمعاملة.
أرجو الاجابة عن باقي أسئلتي الأخرى، وآسف على كثرة الأسئلة.
عنوان الإجابة: التفاضل بالأخلاق
نص الإجابة:
وفقكم الله تعالى، وبارك فيكم:
فاعلم -وفقك الله تعالى- أن الإسلام دين الوسطية والاعتدال، والتنطع والتشدد ليسا من الإسلام في شيء؛ لأنهما يؤديان إلى الهلاك، فالأصل في وصف كل مسلم أن يكون ملتزمًا بالتيسير في عباداته ومعاملاته، معتدلًا في تفكيره، متميزًا بالأخلاق الحسنة، فخير الأمور أوسطها، كما تدل على ذلك أدلة الشريعة، ولا شك أن المسلم المتميز بأخلاقه الذي يعامل الناس بالسماحة والقول الحسن، أفضل من غيره ممن يتصف بصفات عكس ذلك، مع حفظ اسم الإسلام له؛ ففي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»، وروى ابن ماجه، وغيره أن رجلًا قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا».
ويجوز الثناء على غير المسلم بسبب ما يمتاز به من الأخلاق الفاضلة، فلا يبخس حقه، فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم حلف الفضول، وأثنى على كلمة لبيد الشهيرة: "ألا كل شيء ما خلا الله باطل" -نسأل الله لنا ولكم التوفيق-. والله أعلم.
وهل يكفر ويأثم من يقول: إن بعض الكفار المسالمين (غير المحاربين)، أفضل من المسلمين المحاربين (الظالمين المتطرفين، كالخوارج، وغيرهم)، وبعض المسلمين الذين يفرضون الأقوال الشديدة (الاحتياط المذموم)، التي تسبب الحرج، كتحريم الحلال المخل بمقاصد الشريعة من ناحية العدل والوسطية الدينية والدنيوية؟ ولا ريب أن الإسلام أفضل من كل دين، فهو دين الله الحق.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فاعلم أن المسلم -مهما كان عاصيًا- خير في الجملة من الكافر؛ مهما كان حسن الخلق، وذلك أن أعظم الفضائل هو التوحيد، وأعظم الرذائل هي الشرك، ففضيلة التوحيد إذا وجدت في مقابلها رذيلة الشرك، لم تقم الأخلاق الحسنة بموازنة تلك الفضيلة، ثم اعلم أن المسلم المقصر العاصي، يجب مناصحته، وأن يبين له خطؤه فيما يعتمده من سوء الخلق، أو الغلو والتنطع، ونحو ذلك، وأن ما يفعله ليس من دين الله تعالى، فإن أصر، فله من الولاء بحسب إسلامه، ويبغض لما فيه من الشر، والمعصية، هذا في الجملة.

وأما تفضيل الكفار على المسلمين، أو على بعضهم، فإطلاق خاطئ، بلا شك، ثم إن أريد به تفضيلهم فيما اتصفوا به من حسن الخلق، ونحو ذلك، فليس ذلك كفرًا، قال الشيخ عليش المالكي -رحمه الله-: وتفضيل الكافر على المسلم إن كان من حيث الدين، فهو ردة، وإلا، فلا. انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: هذه الأخلاق -إن صحت، مع أن فيهم الكذب، والغدر، والخيانة، والسطو أكثر مما يوجد في بعض البلاد الإسلامية، وهذا معلوم، لكن إذا صحت هذه- فإنها أخلاق يدعو إليها الإسلام، والمسلمون أولى أن يقوموا بها؛ ليكسبوا بذلك حسن الأخلاق، مع الأجر والثواب. أما الكفار فإنهم لا يقصدون بها إلا أمرًا ماديًّا، فيصدقون في المعاملة؛ لجلب الناس إليهم. لكن المسلم إذا تخلق بمثل هذه الأمور، فهو يريد -بالإضافة إلى الأمر المادي- أمرًا شرعيًّا، وهو تحقيق الإيمان والثواب من الله عز وجل، وهذا هو الفارق بين المسلم والكافر. أما ما زعم من الصدق في دول الكفر -شرقية كانت أم غربية-، فهذا إن صح، فإنما هو نزر قليل من الخير في جانب كثير من الشر، ولو لم يكن من ذلك إلا أنهم أنكروا حقَّ مَن حقُّه أعظم الحقوق، وهو الله عز وجل: {إن الشرك لظلم عظيم}، فهؤلاء مهما عملوا من الخير، فإنه نزر قليل مغمور في جانب سيئاتهم، وكفرهم، وظلمهم، فلا خير فيهم. انتهى.

وقد سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله- عن سائل يعقد مقارنة، أو موازنة بين العمال من المسلمين وغير المسلمين، فيقول: إن غير المسلمين هم من أهل الأمانة، وأستطيع أن أثق فيهم، وطلباتهم قليلة، وأعمالهم ناجحة، أما أولئك فهم على العكس تمامًا، فما رأيكم -سماحة الشيخ-؟

فأجاب: هؤلاء ليسوا بمسلمين على الحقيقة، هؤلاء يدعون الإسلام، أما المسلمون في الحقيقة، فهم أولى وأحق، وهم أكثر أمانة، وأكثر صدقًا من الكفار، وهذا الذي قلته غلط، لا ينبغي أن تقوله، والكفار إذا صدقوا عندكم، وأدوا الأمانة؛ حتى يدركوا مصلحتهم معكم، وحتى يأخذوا الأموال من إخواننا المسلمين، فهذه لمصلحتهم؛ فهم ما أظهروا هذا لمصلحتكم، ولكن لمصلحتهم هم؛ حتى يأخذوا الأموال، وحتى ترغبوا فيهم. انتهى.

والحاصل؛ أنه لا يجوز تفضيل الكافر على المسلم بإطلاق، وإن كان المسلم عاصيًا؛ لأن ما فيه من الخير أكثر مما في الكافر من الخير، وحسبه توحيد الله تعالى، ثم الواجب نصيحته، وأن يبين له خطؤه، ويقال له: أنت أولى بتلك الأخلاق الفاضلة من الكافر، وأنت أحق أن تتخلق بها منه، وهكذا، وأما ذكر محاسن الكفار، والثناء عليهم، فقد تكلمنا عنه في الفتوى رقم: 339064. فانظرها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني