الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التحذير من الحكم على المجتمعات بالكفر

السؤال

أنا إنسان موسوس في الكفر والردة، وهذا حصل معي بعد أن قرأت كتاب شرح تسهيل العقيدة.
والوسواس هو كالتالي: مثلا اذا رأيت أحد الناس يمزح في المجالس، ويقول: الله أكبر، أقول كفر استهزاء (ربما خارج عن الملة) وإذا رأيت شخصا مقصرا في صلاته، وغير ملتزم، ويحب أولاده كثيرا، أقول في نفسي: شرك المحبة(مرتد) وإذا رأيت شخصا تاركا للصلاة؛ أقول كفر، إن كان رأي مذهب الإمام أحمد هو الصحيح، وهكذا إلى ما لا نهاية، حتى وصل الحد إلى أني أصبحت أرى غالبية أقاربي كفارا، مثلا منهم من هو تارك للصلاة، ومنهم الذين يسبون الدين مثل قول: حل عن سما ربي، أو يلعن ربك -حاشا الله- أو عند استصعاب الأمر يقولون: حتى الله ما يقدر يفعل كذا، وبعضهم يقول يلعن الله، وبعضهم يقول ما تكفرني. وهذا ليس مختصا بأقاربي، وإنما بمجتمعي بشكل عام، وبغالب البلدان العربية، فهذا يوجد في مصر وفي سوريا، وفي فلسطين وفي لبنان وفي الأردن وفي ليبيا وفي كثير من البلدان العربية.
وسب الدين الصريح لا يحتاج لانتفاء موانع، وتحقق أسباب حتى الجاهل لا يعذر؛ فصرت أرى أن غالبية الأمة الإسلامية كفار؛ لأن كثيرا منهم أو غالبيتهم إن صح التعبير يسبون الدين سبا صريحا عند الغضب، وسب الدين الصريح يكفر صاحبه على أقوال المذاهب الأربعة، سواء كان عالما بالحكم أم جاهلا به، وسواء كان مازحا أو مستهزئا، غاضبا أو غير ذلك -مع العلم أنهم ربما يقولون هذا على سبيل التقليد، وربما لا يعرفون معاني ما يقولون- فأصبحت أرى أن المسلمين ليس كما يقول الإعلام أنهم 1 مليار، وإنما ملايين قليلة.
وصرت في تشاؤم دائم، فقد ذهبت إلى الكثير من البلدان، ورأيت هذا الشيء يتربى عليه أبناء المسلمين منذ الصغر.......... حتى وصل بي الحد لأن أرى نفسي كافرا في بعض الأحيان، مثلا كنت مرة أمزح مع أحد أقاربي: لا تتشدد على سبيل المزاح، مثلا عندما يربي اللحية، مع أني أريد إضحاكه ولا أقصد شيئا آخر، ومثلا عندما نكون مع جماعة فأقرأ القرآن ثم أضحك على صوتي؛ لأنه غير جميل، أقول: ربما كفرت.
ومرة قلت لأحد أقاربي وهو يكثر من ثنائه على نفسه: أن نسبه عباسي، فمزحت مرة وقلت أنت معبوس، ثم بحثت في البيت من هو العباس فكان عم النبي صلى الله عليه وسلم، فصرت أردد الشهادة، وغير ذلك من الأمور، فصرت أتجنب قدر الإمكان المزاح في الدين....
لا أعلم أرشدوني هل غالبية المسلمين كفار؛ لأنهم يسبون الدين؟
هل غالبية المسلمين يسبون الدين سبا صريحا؟
هل الأمثلة التي طرحتها يكفر بها الإنسان؟
هل ما أفعله من مزاح في الدين كفر؟ وما الذي يجوز والذي لا يجوز في المزاح في الدين؟
هل إذا فعلت شيئا، ولا أعلم حكمه أسأل عنه إن كان كفرا أم لا؟ لأني إذا سألت أخاف أن أسترسل مع الوسواس، وإذا لم أسأل أخاف أن أكون قد كفرت؟
أيضا هناك نقطة نسيت أن أتكلم عنها وهي: أني أفكر أن من لم يكفر الكافر، فقد كفر.
أرشدوني بارك الله فيكم، مع رجاء التفصيل وإطالة الإجابة قليلا؛ حتى أحصل على الإجابة على جميع أسئلتي.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس ما ذكرته من كون عامة المسلمين يسبون الدين، أو كونهم كفارا، صحيحا بحال، فأكثر المسلمين والحمد لله، معظمون للدين، لا يستهزئون به، ولا يسبونه.

وهذا هو الأصل الذي يجب عليك استصحابه في كل من نطق بالشهادتين، ولا يحكم بكفر شخص معين، إلا إذا حصل يقين جازم بارتكابه ما يوجب الكفر، وقامت عليه الحجة.

فإياك والحكم على المجتمعات بالكفر؛ لاحتمال أن بعض الأفراد يسبون الدين مثلا، فهذا غلو شنيع، وتنطع مهلك عياذا بالله. وكل ما ذكرته سوى ما يتعلق بسب الدين، أو سب الله تعالى صريحا، لا يعد كفرا، ولا استهزاء مخرجا عن الملة، وإنما هذا محض وسواس تسلط عليك، فعليك أن تدافعه وتعرض عنه، ولا تسترسل معه؛ فإن استرسالك مع هذه الوساوس يفضي إلى شر عظيم، وماهية الاستهزاء المخرج من الملة، قد بيناها في الفتوى رقم: 136818.

ولا حرج عليك أن تسأل فيما أشكل عليك، إلا إن خشيت أن يتمادى بك الوسواس، فدع الوساوس ولا تعرها اهتماما، وتعامل مع الناس جميعا على أنهم مسلمون، وإياك والحكم بخلاف ذلك على أحد دون يقين جازم.

وأما قاعدة: من لم يكفر الكافر. فالمراد بها الكافر المقطوع بكفره، والذي نص الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على كفره؛ كفرعون وأبي لهب، فهذا الصنف من لم يكفره فهو كافر قطعا؛ لتكذيبه الله ورسوله.

وأما من لم يتحقق وجود الكفر منه، فتكفيره مخاطرة عظيمة، إياك وتقحمها؛ فإنه باب هلكة.

وتجنب المزاح فيما يتعلق بنصوص الشرع، حسن جميل، لكن لا يفضين ذلك بك إلى التنطع، فتجعل ما ليس كذلك، من هذا الباب.

والحاصل أن عليك تجنب الوساوس والغلو، ومجاهدة ذلك، والسعي في التخلص منه، وأن تنضبط في هذا الباب بما يقرره أهل العلم بلا غلو ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني