الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى: سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ

السؤال

من هم إل ياسين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان مرادك السؤال عن قوله تعالى: سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ {الصافات:130}. وفي القراءة الأخرى: سَلَامٌ عَلَى آل يَاسِينَ {الصافات:130}. وهذا هو الذي يظهر.

فاعلم أن للعلماء أقوالا في معنى الآية:

أحدها: أن المراد إلياس عليه السلام، والذي وردت تلك الآية في آخر قصته.

قال القرطبي: وَالْمُرَادُ إِلْيَاسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعَلَيْهِ وَقَعَ التَّسْلِيمُ، وَلَكِنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ. وَالْعَرَبُ تَضْطَرِبُ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْأَعْجَمِيَّةِ، وَيَكْثُرُ تَغْيِيرُهُمْ لَهَا. اهـ.

والقول الثاني: أن المراد آله وهو داخل فيهم.

قال النحاس: فَكَأَنَّهُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- جَعَلَ اسْمَهُ إِلْيَاسَ وَيَاسِينَ، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى آلِهِ، أَيْ أَهْلِ دِينِهِ وَمَنْ كَانَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ إِذَا سَلَّمَ عَلَى آلِهِ مِنْ أَجْلِهِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي السَّلَام. اهـ.

والقول الثالث: -وهو أضعفها- أن المراد آل محمد صلى الله عليه وسلم.

جاء في تفسير القرطبي: قال السهيلي: قال بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ: آلُ يَاسِينَ آلُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَنَزَعَ إِلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي تَفْسِيرِ" يس" يَا مُحَمَّدُ. وَهَذَا الْقَوْلُ يَبْطُلُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ سِيَاقَةَ الْكَلَامِ فِي قِصَّةِ إِلْيَاسِينَ، يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ كَمَا هِيَ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَنُوحٍ وَمُوسَى وَهَارُونَ، وَأَنَّ التَّسْلِيمَ رَاجِعٌ عَلَيْهِمْ، وَلَا مَعْنَى لِلْخُرُوجِ عَنْ مَقْصُودِ الْكَلَامِ لِقَوْلٍ قِيلَ فِي تِلْكَ الْآيَةِ الْأُخْرَى، مَعَ ضَعْفِ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَيْضًا، فَإِنَّ" يس" و" حم" وَ" الم" وَنَحْوَ ذَلِكَ الْقَوْلُ فِيهَا وَاحِدٌ، إِنَّمَا هِيَ حُرُوفٌ مُقَطَّعَةٌ، إِمَّا مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِمَّا مِنْ صِفَاتِ الْقُرْآنِ، وَإِمَّا كَمَا قَالَ الشَّعْبِيُّ: لِلَّهِ فِي كُلِّ كِتَابٍ سِرٌّ، وَسِرُّهُ فِي الْقُرْآنِ فَوَاتِحُ الْقُرْآنِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ "وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا "يس". وَأَيْضًا فَإِنَّ "يس" جَاءَتِ التِّلَاوَةُ فِيهَا بِالسُّكُونِ وَالْوَقْفِ، ولو كان اسما للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقال: "يسن" بِالضَّمِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: "يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ" [يوسف: 46]. وَإِذَا بَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَـ "إِلْيَاسِينَ" هُوَ إِلْيَاسُ الْمَذْكُورُ، وَعَلَيْهِ وَقَعَ التَّسْلِيمُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: هُوَ مِثْلُ إِدْرِيسَ وَإِدْرَاسِينَ. انتهى.

وذكر الجلال المحلي الوجهين الأولين، وأعرض عن الثالث، فقال: {سَلَام} مِنَّا {عَلَى إلْ يَاسِين} قِيلَ هُوَ إلْيَاس الْمُتَقَدِّم ذِكْره، وَقِيلَ هُوَ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ، فَجمعُوا مَعَهُ تَغْلِيبًا؛ كَقَوْلِهِمْ لِلْمُهَلِّبِ وَقَوْمه: الْمُهَلِّبُونَ، وَعَلَى قِرَاءَة آل يَاسِين بِالْمَدِّ أَيْ أَهْله، الْمُرَاد بِهِ إلْيَاس أَيْضًا. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني