الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قاعدة في الانتفاع بالمال الحرام

السؤال

سؤالي عن مال أبي الحرام من جهة الكسب.
والدي كان يعمل قبل تقاعده في مزرعة للعنب الموجه للخمر في دولة أوربية. ونحن صغار كنا نأكل من هذا المال. وأكملت أنا تعليمي الجامعي ولم أشتغل في مجال تخصصي؛ لأنني أصبت بمرض نفسي شامل (اختلال الانا، الاكتئاب الحاد، الرهاب من عدة أشياء أساسه الرهاب الاجتماعي، ضعف الذاكرة، الوسواس القهري...)-وقد يكون هذا بسبب المس أو السحر، والله أعلم- وبسبب الرهاب الاجتماعي سبب لي موضوع العمل والكسب عقدة نفسية لأنني لا أستطيع الجلوس مع الناس، والتصرف كشخص عادي. وبسبب هذا الأمر أخذت مالا من أبي واشتريت دراجة ثلاثية العجلات (تكتك) وعملت في توصيل البضائع؛ لأن هذا الأمر لا يتطلب اختلاطا كبيرا بالناس بالإضافة إلى أنه عمل حر بمعنى عندما يشتد علي المرض أترك العمل، وأرجع للبيت، ورغم أن هذا العمل فيه شيء من الابتذال في مجتمعنا، ولا يليق بحامل شهادة جامعية إلا أني مرغم على ذلك.
ونظرا للمعاناة النفسية التي كنت أعانيها لأكسب المال، كنت لا أفرط في أي درهم أحصله.
تحسنت حالتي قليلا بفضل الله، ثم ببعض الأدوية والرقية الشرعية. وفكرت بالزواج ومن عادات مجتمعنا أن الأب يزوج ابنه، فدفع أبي المهر ومعظم تكاليف الزواج، ومكثنا أنا وزوجتي في بيت أبي؛ وهذا البيت طبعا قد بناه أبي من كسبه الذي أشرت سابقا إلى أنه حرام، ونأكل أيضا من طعامه إلا في هذه السنة الأخيرة أصبحت آكل وأصرف على نفسي من كسبي.
الآن وقد مرت ١٤ سنة على مرضي النفسي قد اشتد عندي الرهاب الاجتماعي، وأحاول جاهدا جمع مبلغ من المال أشتري به منزلا بسيطا ولكن لم أستطع.
فما هو حكم مكوثي في منزل أبي الذي بناه من كسب حرام؟ وما حكم المال الذي أخذته منه عند شرائي للتكتك؟ وما حكم المال الذي دفعه في المهر وتكاليف الزواج؟ وما حكم مأكلي ومشربي معه فيما مضى؟ وهل تعلق شيء من المال في ذمتي يجب أن أقضيه؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز قبول النفقة والهدية من صاحب المال المحرم لكسبه لا لذاته، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- هذا السؤال: الحمد لله، فقد رزقني الهداية ومقبل على الزواج إن شاء الله في الوقت الحالي، والمشكلة أن والدي - هداه الله - يتعامل بالربا، وسوف يساعدني مادياً في أمر هذا الزواج. وإنني الآن في حيرة فأنا لا أمتلك قيمة المهر، وفي ذاته فإنني أخشى قبول مساعدة والدي من ماله الحرام، وهذا معناه أني سوف أظل دون شريكة حياة لسنوات قادمة، فماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله: - أحب أن أعطي الأخ السائل والقراء قاعدة مفيدة، وهي ما حُرِّم لكسبه فهو حرام على الكاسب فقط، وأما ما حرم لعينه فهو حرام على الكاسب وغيره. مثال على ذلك: لو أن أحداً أخذ مال شخص بعينه، وأراد أن يعطيه آخر لبيع أو هبة قلنا هذا حرام؛ لأن هذا المال محرم بعينه. أما الكسب الذي يكون محرما كالكسب عن طريق الربا أو عن طريق الغش - أو ما أثبته ذلك - فهذا حرام على الكاسب، وليس حرام على من أخذه بحق، ودليل هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقبل من اليهود، ويجيب دعوتهم، ويأكل من طعامهم، ويشتري منهم، ومعلوم أن اليهود يتعاملون بالربا؛ كما ذكر الله عنهم في القرآن. وبناء على هذه القاعدة أقول لهذا السائل: خذ جميع ما تحتاجه للزواج من مال أبيك فهو حلال لك وليس حراما. اهـ

فعلى هذا القول لا يلزمك شيء، ولا يتعلق شيء بذمتك بسبب ما انتفعت به من مال والدك. وهذا على افتراض صحة ما ذكر السائل من كون والده حصل على ماله المذكور من عمله في مزرعة عنب مراد لعصره خمورا. وإلا فالأصل جواز زرع العنب، والعمل في مزارعه ما لم يتحقق من كونه للخمور.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني