الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحكمة من خلق أولاد الزنى

السؤال

هل الله -جل جلاله- خلق آدم وحواء، ثم ترك التكاثر مسألة كونية تتم بالتزاوج فقط، والمسؤول عن هذا هو الإنسان وحده، أم إن الله يدبر ويسير كل الخلق باستمرار؟ وإن كان الجواب أن الله -جل جلاله- هو المدبّر والمسيّر باستمرار؛ فلماذا يسمح بتكوين وخلق ابن الزنى، وابن الاغتصاب مثلًا؟
أستغفر الله على تجرئي على هذا السؤال، ولكني سألته لأجد إجابة شافية لما يدور في صدري من وسوسة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فكل ما يجري في هذا الكون فهو مخلوق لله تعالى، مراد له كونًا وقدرًا، فالله تعالى هو خالق كل شيء، ولا يكون في الوجود إلا ما شاءه، وقضاه، وقدره -سبحانه وبحمده-، فهو خلق آدم وحواء، وأمدهما بالقدرة على التناسل، وركب في بني آدم تلك الشهوة؛ لأجل الحفاظ على النسل إلى حين يقضي سبحانه بفناء الخليقة، وما يكون بينهم من تزاوج شرعي، أو غير شرعي، فهو الذي يقدره ويقضيه، وهو سبحانه الخالق لهم، ولأفعالهم، وأفعالهم هذه حاصلة بمشيئتهم وإرادتهم التي خلقها الله لهم، وركبها فيهم، فالعبد هو الفاعل على الحقيقة، والله سبحانه هو الخالق له، ولفعله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في العقيدة الواسطية: والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي، والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم، وخالق قدرتهم وإرادتهم، كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ - وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:28-29]. انتهى.

فإذا علمت هذا، وعلمت أن العبد هو الذي يفعل ما يفعله من التزاوج والتناسل باختياره وإرادته، وأن ذلك الاختيار والإرادة والفعل من العبد مخلوق للرب تعالى، فاعلم أنه لحكمة بالغة، قدّر ما قدّر من الخروج على الشرع من بعض الناس حتى وجد من وجد من أولاد الزنى، ونحوهم.

والله تعالى له في جميع أقضيته الحكمة البالغة، فلا يخلق شيئًا إلا لحكمة، ومصلحة، وقد تخفى هذه المصالح علينا، فلا تدركها عقولنا القاصرة، لكن الواجب الإيمان بأنه سبحانه هو الحكيم، الذي يضع الأشياء في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، وهو سبحانه لا يسأل عما يفعل؛ لكمال حكمته وحمده.

ومن حكمة تقديره هذه المعاصي من الزنى وغيره أن تظهر آثار أسمائه وصفاته، من كونه حليمًا لا يعاجل بالعقوبة، وكونه شديد العقاب، وليقوم أولياؤه وحزبه بالدعوة إليه، والنهي عن تلك المنكرات، والجهاد في سبيل إبطالها، ولتظهر حكمة تشريعاته، وأن فيها مصلحة الخلق، وسعادتهم في الدنيا والآخرة، إلى غير ذلك مما يظهر بالفكر، والروية، وما لا يظهر للعقول من أسرار حكمته سبحانه أكثر وأعظم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني